وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ لِخَطَأِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ تَسَاوَى رِجَالُ الْحِزْبِ فِي الْإِصَابَةِ، وَهُوَ نَادِرٌ أَوْ تَفَاضَلُوا فِيهَا، وَهُوَ الْغَالِبُ، فَإِذَا جُمِعَتِ الْإِصَابَتَانِ وَالْمَشْرُوطُ فِيهَا إِصَابَةُ خَمْسِينَ مِنْ مِائَةٍ لَمْ يَخْلُ مَجْمُوعُ الْإِصَابَتَيْنِ من ثلاثة أحوال:
أحدها: أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ مِنْ إِصَابَةِ كُلِّ حِزْبٍ خَمْسِينَ، فَصَاعِدًا، فَلَيْسَ فِيهِمَا مَنْضُولٌ وَإِنْ تَفَاضَلَا في النقصان من الخمسين.
والحال الثالثة: أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ إِصَابَةِ أَحَدِهِمَا خَمْسِينَ، فَصَاعِدًا، وَمَجْمُوعُ إِصَابَةِ الْآخَرِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ، فَمُسْتَكْمِلُ الْخَمْسِينَ هُوَ النَّاضِلُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي الْإِصَابَةِ مُقِلًّا، بِالْقَصْرِ عَنِ الْخَمْسِينَ هُوَ الْمَنْضُولُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْإِصَابَةِ مُكْثِرًا، فَيَصِيرُ مُقَلِّلُ الْإِصَابَةِ آخِذًا، وَمُكْثِرُهَا مُعْطِيًا، لِأَنَّ حِزْبَ الْمُقَلِّلِ نَاضِلٌ، وَحِزْبَ الْمُكْثِرِ مَنْضُولٌ.
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي حُكْمِ الْمَالِ إِذَا اسْتَحَقَّهُ الْحِزْبُ الناضل، فيقسم بين جمعيهم فِي قِسْمَتِهِ بَيْنَهُمْ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ مَعَ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْإِصَابَةِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعَقْدِ الَّذِي أَوْجَبَ تَسَاوِيَهُمْ فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إِصَابَاتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ بِالْإِصَابَةِ قَدِ اسْتَحَقُّوهُ فَلَا يُكَافِئُ مُقِلُّ الْإِصَابَةِ مُكْثِرَهَا، وَخَالَفَ الْتِزَامُ الْمَنْضُولِينَ، حَيْثُ تَسَاوَوْا فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْخَطَأِ، لِأَنَّ الِالْتِزَامَ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِالْخَطَأِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ مِنْ بَعْدِ الرَّمْيِ، فَصَارَ مُعْتَبَرًا بِالصَّوَابِ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْطَأَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْحِزْبِ النَّاضِلِ فِي جَمِيعِ سِهَامِهِ، فَفِي خُرُوجِهِ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ إِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِنَّهُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لَا عَلَى قَدْرِ الْإِصَابَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُخْزِيهِ بِالْخَطَأِ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ عَدَاهُ إِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي إِنَّهُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْإِصَابَةِ، وَيُقَابِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي الْحِزْبِ الْمَنْضُولِ مَنْ أَصَابَ بِجَمِيعِ سِهَامِهِ، فَفِي خُرُوجِهِ مِنَ الْتِزَامِ الْمَالِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ مِنَ الْتِزَامِهِ إِذَا قِيلَ بِخُرُوجِ الْمُخْطِئِ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَخْرُجُ مِنَ الِالْتِزَامِ، وَيَكُونُ فِيهِ أُسْوَةَ مَنْ أَخْطَأَ إِذَا قِيلَ بِدُخُولِ الْمُخْطِئِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَنَّهُ فِيهِ أُسْوَةُ مَنْ أَصَابَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخْتَارُ عَلَى أَنْ أَسْبِقَ ".