وَالثَّانِي: إِنَّهُ رُبَّمَا أَخْرَجَتِ الْقُرْعَةُ حَذَاقَتَهُمْ لِأَحَدِ الْحِزْبَيْنِ، وَضُعَفَاءَهُمْ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ، فَخَرَجَ عَنْ مَقْصُودِ التَّحْرِيضِ فِي التَّنَاضُلِ، فَإِنْ عَدَلُوا بَيْنَ الْحِزْبَيْنِ فِي الْحَذْقِ وَالضَّعْفِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعَ الزَّعِيمَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحِزْبَيْنِ بعد العقد لم يصرح التعليل الأول مع كَوْنِهِمْ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا دُونَ التَّعْلِيلِ الثَّانِي مِنَ اجْتِمَاعِ الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ رَفَعُوهُ بِالتَّعْلِيلِ، فَإِذَا ثَبَتَ تَعْيِينُهُمْ قَبْلَ الْعَقْدِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ تَعَيَّنُوا فِيهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِمْ إِذَا حَضَرُوا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا.
وَإِمَّا بِأَسْمَائِهِمْ إِذَا عُرِفُوا، فَإِنْ تَنَازَعُوا عِنْدَ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَعَدَلُوا إِلَى الْقُرْعَةِ فِي الْمُتَقَدِّمِ بِالِاخْتِيَارِ جَازَ، لِأَنَّهَا قُرْعَةٌ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَتْ بِقُرْعَةٍ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا قَرَعَ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ اخْتَارَ مِنَ السِّتَّةِ وَاحِدًا، ثُمَّ اخْتَارَ الزَّعِيمُ الثَّانِي وَاحِدًا، ثُمَّ دُعِيَ الزَّعِيمُ الْأَوَّلُ فَاخْتَارَ ثَانِيًا، وَاخْتَارَ الزَّعِيمُ الثَّانِي ثَانِيًا، ثُمَّ عَادَ الْأَوَّلُ، فَاخْتَارَ ثَالِثًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ الثَّالِثَ الْبَاقِيَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَارَ الْأَوَّلُ الثَّلَاثَةَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلى الْأَحْذَقَ، فَيَجْتَمِعُ الْحُذَّاقُ فِي حِزْبٍ، وَالضُّعَفَاءُ فِي حِزْبٍ، فَيُعْدَمُ مَقْصُودُ التَّنَاضُلِ مِنَ التَّحْرِيضِ.
فَإِذَا تَكَامَلَتِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ فِي عَقْدِ النِّضَالِ بَيْنَ الْحِزْبَيْنِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ فِي مَالِ السَّبَقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُخْرِجَهَا أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، فَهَذَا يَصِحُّ سَوَاءٌ انْفَرَدَ زَعِيمُ الْحِزْبِ بِإِخْرَاجِهِ أَوِ اشْتَرَكُوا فِيهِ، ويكون الحزب المخرج لِلسَّبَقِ مُعْطِيًا إِنْ كَانَ مَنْضُولًا، وَغَيْرَ آخِذٍ إِنْ كَانَ نَاضِلًا، وَيَكُونُ الْحِزْبُ الْآخَرُ آخِذًا إِنْ كَانَ نَاضِلًا وَغَيْرَ معطٍ إِذَا كَانَ مَنْضُولًا - وَهَذَا يُغْنِي عَنِ الْمُحَلِّلِ، لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحِزْبَانِ مُخْرِجَيْنِ، وَيَخْتَصُّ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ زَعِيمُ الْحِزْبَيْنِ، فَهَذَا يَصِحُّ، وَيُغْنِي عَنْ مُحَلِّلٍ، لِأَنَّ مَدْخَلَ الْمُحَلِّلِ لِيَأْخُذَ وَلَا يُعْطِيَ، وَرِجَالُ كُلِّ حِزْبٍ يَأْخُذُونَ، وَلَا يُعْطُونَ، فَإِذَا نَضَلَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ أَخَذَ زَعِيمُهُمْ مَالَ نَفْسِهِ، وَقَسَّمَ مَالَ الْحِزْبِ الْمَنْضُولِ بَيْنَ أَصْحَابٍ، فَإِنْ كَانَ الزَّعِيمُ رَامِيًا مَعَهُمْ شَارَكَهُمْ فِي مَالِ السَّبَقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ مَعَهُمْ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ النِّضَالِ مَنْ لَمْ يُنَاضِلْ، وَصَارَ مَعَهُمْ كَالْأَمِينِ وَالشَّاهِدِ، فَإِنْ رَضَخُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، جَازَ، وَكَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ الْعَقْدُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ عَقْدٌ يَبْطُلُ بِفَسَادِ شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا الْعَقْدُ بَيْنَ الْحِزْبَيْنِ، وَلَيْسَ لِهَذَا الشَّرْطِ تَأْثِيرٌ فِيهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُخْرِجَا الْمَالَ وَيَشْتَرِكَ أَهْلُ كُلِّ حِزْبٍ فِي إِخْرَاجِهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يَدْخُلَ بَيْنَ الْحِزْبَيْنِ حِزْبٌ ثَالِثٌ يَكُونُ مُحَلِّلًا يُكَافِئُ كُلَّ حِزْبٍ فِي العدد