إِلَى الرَّامِي الثَّانِي، فَيَقِفُ فِيهِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ يَسَارٍ أَوْ وَسَطٍ، كَمَا كَانَ الْخِيَارُ فِي الْهَدَفِ الْأَوَّلِ إِلَى الرَّامِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَقَّةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْخِيَارُ فِي الْهَدَفِ الْأَوَّلِ لِلْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْهَدَفِ الثَّانِي لِلثَّانِي، فَإِذَا عَادَ إِلَى الْهَدَفِ الثَّانِي الْأَوَّلُ عَادَ الْخِيَارُ لِلْأَوَّلِ، فَإِذَا عَادَ إِلَى الْهَدَفِ الثَّانِي صَارَ الْخِيَارُ لِلثَّانِي، وَلَا يُجْمَعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي الْهَدَفَيْنِ، لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ شَرَطَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: بَطَلَ الْعَقْدُ بِالتَّفْضِيلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ، فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْخِيَارُ فِي الْهَدَفَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ بَعْدَهُ فِي الْهَدَفَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ.
وَإِذَا كَانَ النِّضَالُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، وَقَفَ الْمُبْتَدِئُ بِالرَّمْيِ فِي الْهَدَفِ الَّذِي شَاءَ، وَوَقَفَ مِنْهُ حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ نُظِرَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ الْمُبْتَدِئُ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ بِشَرْطٍ أَوْ قَرَعَهُ، وإلا أقرع بينهما ووقف الرامي الثاني في الْهَدَفِ حَيْثُ شَاءَ، فَإِذَا عَادَ إِلَى الْهَدَفِ الأول وقف الرامي الثالث من حَيْثُ شَاءَ لِيَتَسَاوَى الثَّلَاثَةُ فِي اخْتِيَارِ الْمَوْقِفِ فِي هَدَفٍ بَعْدَ هَدَفٍ لِرَمْيِ رِشْقٍ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُ الثَّالِثِ مَعَ الثَّانِي كَحُكْمِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ.
فَإِذَا تَرَتَّبُوا عَلَى هَذَا الِاخْتِيَارِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْشَاقٍ صَارُوا فِي الرِّشْقِ الرَّابِعِ إِلَى حُكْمِ الرِّشْقِ الْأَوَّلِ فِي عَوْدِ الْخِيَارِ إلى الأول، والله أعلم بالصواب.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ: نَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ فِي رَمْيِنَا.
وَقَالَ الْآخَرُ: نَسْتَدْبِرُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى اسْتِدْبَارِهَا؛ لِأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ إِذَا اسْتَقْبَلَ الرَّامِي، اخْتَلَّ عَلَيْهِ رَمْيُهُ فَإِنْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ اسْتِقْبَالَهَا حُمِلَا عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ، كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الرَّمْيَ بِالنَّهَارِ، فَإِنْ شَرَطَا فِيهِ الرَّمْيَ لَيْلًا حُمِلَا عَلَيْهِ، إِمَّا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ أَوْ مَشَاعِلِ النَّارِ.
قال الشافعي: " وَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْسِمُوا قَسْمًا مَعْرُوفًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: النِّضَالُ ضَرْبَانِ: أَفْرَادٌ وَأَحْزَابٌ، وَقَدْ مَضَى نِضَالُ الْأَفْرَادِ، فَأَمَّا نِضَالُ الْأَحْزَابِ، فَهُوَ أَنْ يُنَاضِلَ حِزْبَانِ يَدْخُلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدُهُمْ، فَيَعْقِدُ النِّضَالَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَهَذَا يَصِحُّ عَلَى شُرُوطِهِ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَجُمْهُورُهُمْ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُمْ إِذَا اشتركوا صار فعل جمعيهم وَاحِدًا فَاشْتَرَكُوا فِي مُوجِبِهِ