وَإِصَابَةَ الثَّانِي اثْنَا عَشَرَ، فَإِنْ أَخْطَأَ الْأَوَّلُ فِي سَهْمٍ مِنْ بَقِيَّةِ الرَّشْقِ لَمْ يَفْضُلْ وَلَمْ يَنْضُلْ، وَلَوْ أَصَابَ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَصَابَ الْآخَرُ سَهْمَيْنِ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتَقَرَّ النَّضْلُ، وَسَقَطَ بَقِيَّةُ الرَّشْقِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْمَفْضُولَ لَوْ أَصَابَ جَمِيعَ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الرَّشْقِ حَتَّى اسْتَكْمَلَ بِمَا تَقَدَّمَ سَبْعَةً كَانَ مَنْضُولًا، لِأَنَّ الْبَاقِيَ لِلْفَاضِلِ بَعْدَ حَطِّهَا خَمْسَةٌ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِبَقِيَّةِ الرَّمْيِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ النَّضْلَ، فَسَقَطَ ثَمَّ عَلَى هذه العبرة.
قال الشافعي: " وَيَسْتَحِقُّ سَبَقَهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ يُقْضي بِهِ عليه كالدين يلزمه إن شاء أطعم أصحابه وإن شاء تموله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا نَضَلَ الرَّامِي مَلَكَ مَالَ النِّضَالِ، وَكَذَلِكَ فِي السَّبَقِ، وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا وَإِنْ كَانَ دَيْنًا اسْتَوْجَبَ قَبْضَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَصْحَابَهُ مِنْ أَهْلِ النِّضَالِ وَالسِّبَاقِ.
وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الرُّمَاةِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَصْحَابَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَمَالِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَالِ الْجِعَالَةِ، لِأَنَّ عَقْدَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ، وَالْعِوَضُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَقٌّ يَتَمَلَّكُهُ مُسْتَحِقُّهُ وَلَا تَلْزَمُهُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ، فَبَطَلَ مَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ مَطَلَ بِهِ الْمَنْضُولُ قَضَى بِهِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَحَبَسَهُ فِيهِ، وَبَاعَ عَلَيْهِ مِلْكَهُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ ضُرِبَ بِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى ورثته.
(مسألة:)
قال الشافعي: " وَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فجائزٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَالَ النِّضَالِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْهُ، وَلَا الضَّمِينِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُسْتَوْفَى مِنْ رَهِينٍ وَلَا ضَامِنٍ، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا رَهْنٌ وَلَا ضَمَانٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ الْمَالُ بِالْفَلْجِ جَازَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهِ، وَالضَّمِينِ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي الذِّمَّةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِالْفَلْجِ كَانَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهِ وَالضَّمِينِ مُعْتَبَرًا بِحُكْمِ الْعَقْدِ فِي اللُّزُومِ وَالْجَوَازِ، فَإِنْ قِيلَ بِلُزُومِهِ كَالْإِجَارَةِ جَازَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهِ، وَالضَّمِينِ كَالْأُجْرَةِ، وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ كَالْجِعَالَةِ، فَفِي جَوَازِ أَخْذِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ أَخْذُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى اللُّزُومِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ الضَّمِينُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ الرَّهْنُ، لِأَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ أَوْسَعُ مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ، كَمَا يَجُوزُ ضَمَانُ الدَّرَكِ، وَلَا يجوز أخذ الرهن فيه.