فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ اللُّزُومُ بَطَلَ، فَإِنْ قِيلَ بِلُزُومِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَدَلِيلُهُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَقْدٌ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ طَرْدًا وَالْجُعَالَةِ عَكْسًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى إِبْطَالِ الْمَعْقُودِ بِالْعَقْدِ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي الْعَقْدِ، وَبَقَاءُ خِيَارِهِ فِيهِ مُفْضٍ إِلَى إِبْطَالِهِ الْمَقْصُودِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ السبق على أحدهما فسخ لم يُتَوَصَّلْ إِلَى سَبْقٍ، وَلَمْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ عِوَضٌ، وَالْعَقْدُ مَوْضُوعٌ لِاسْتِقْرَارِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، فَنَافَاهُ الْخِيَارُ وَضَاهَاهُ اللُّزُومُ.
فَإِنْ قِيلَ: بِجَوَازِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، فَدَلِيلُهُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا صَحَّ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إِذَا قَابَلَ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ كَانَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ كَالْجُعَالَةِ طَرْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثِقُ بِالْغَلَبَةِ فِي السَّبْقِ وَالرَّمْيِ كَمَا لَا يَثِقُ بِوُجُودِ الضَّالَّةِ فِي الْجُعَالَةِ وَعَكْسُهُ الْإِجَارَةُ مَتَى لَمْ يَثِقْ بِصِحَّةِ الْعَمَلِ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا كَانَ إِطْلَاقُ الْعِوَضِ فِيهِ مُوجِبًا لِتَعْجِيلِ اسْتِحْقَاقِهِ كَانَ جَائِزًا كَالْجُعَالَةِ وَإِطْلَاقُ الْعِوَضِ فِي السَّبْقِ وَالرَّمْيِ لَا يُوجِبُ التَّعْجِيلَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَلَا يَكُونُ لازماً، والله أعلم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " الْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ كُلُّ نصلٍ مِنْ سهمٍ أَوْ نشابةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا سَبْقَ إِلَّا مِنْ خفٍّ أَوْ حافرٍ أَوْ نصلٍ " مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ، لِأَنَّهَا ذَوَاتُ أَخْفَافٍ تُعَدُّ لِلطِّرَادِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَافِرِ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّهَا ذَوَاتُ حَوَافِرَ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ.
وقال في موضع إِنَّ الْحَافِرَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ؛ لِأَنَّهَا تُرْكَبُ إِلَى الْجِيَادِ كَالْإِبِلِ وَيُلْقَى عَلَيْهَا العدوُّ كَالْخَيْلِ قَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَرْبَ هَوَازِنَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ، فَصَارَ فِي الْحَافِرِ قَوْلَانِ:
فَأَمَّا النَّصْلُ، فَالْمُرَادُ بِهِ السَّهْمُ الْمَرْمِيُّ بِهِ عَنْ قَوْسٍ، وَإِنْ كَانَ النَّصْلُ اسْمًا لِحَدِيدَةِ السَّهْمِ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ السَّهْمِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَوَازِ السَّبْقِ بِهَا، فَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فيها، فقال: يحتمل مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةٍ مَحْظُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ بِاسْتِثْنَائِهِ مَا خَالَفَ حُكْمَ أَصْلِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُهَا، وَيَكُونُ السَّبْقُ