الحاوي الكبير (صفحة 7036)

كتاب السبق والرمي

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نافعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نصلٍ أَوْ خفٍّ أَوْ حافرٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَصْلُ فِي إِبَاحَةِ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) {الأنفال: 60) فَرَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلَا وَإِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلَاثًا.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْتَبِطُوا الْخَيْلَ، فَإِنَّ ظُهُورَهَا لَكُمْ عزٌّ وَأَجْوَافَهَا لَكُمْ كنزٌ " فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أنما لَمَّا أَمَرَ بِإِعْدَادِ الرَّمْيِ وَالْخَيْلِ لِلْعَدُوِّ فِي حَرْبِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّعْلِيمِ وَالثِّقَةِ بِالسَّبْقِ وَالْإِصَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ مَا دَعَا إِلَيْهِمَا.

وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ عَنْ إِخْوَةِ يوسف {قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} وفي قوله {نَسْتَبِقُ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: نَنْتَضِلُ مِنَ السِّبَاقِ فِي الرَّمْيِ. قاله الزجاج.

والثاني: أنه أَرَادُوا السَّبْقَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ.

وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ فِي هَذَا هُوَ: أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ نَبِيًّا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَتِهِ فِي شَرْعِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ بِهِ شَرْعٌ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ نسخ كان مَعْمُولًا بِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) {الأنفال: 17) وَفِي هَذَا الرَّمْيِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَبَضَ يَوْمَ أحدٍ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ رَمَاهُمْ بِهَا، وَقَالَ " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " أَيْ: قَبُحَتْ، فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْقَبْضَةَ فِي أَبْصَارِهِمْ حَتَّى شَغَلَتْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَظْفَرَ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015