مُحِلًّا، فَهُوَ ذَكِيٌّ مَمْلُوكٌ، فَيَضْمَنُ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلُهُ مُحْرِمًا، فَهَلْ يَكُونُ مَيْتَةً أَوْ مُذَكًّى؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أحدهما: يكون ميتة كالذكاة الْمَجُوسِيِّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ قِيمَةُ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْمَيْتَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ مُذَكًّى يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا مِنْ ضَمَانِ الْمُضْطَرِّ لِقِيمَةِ مَا أَكَلَ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ هَلْ يَسْتَقِرُّ لِلْمُحْرِمِ عَلَيْهِ مِلْكٌ أَمْ لَا؟ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْمُحْرِمَ لَمْ يَمْلِكْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَمْلِكُ.
وَإِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ لَحْمَ آدَمِيٍّ مَيْتٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُضْطَرِّ كَتَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " حُرْمَةُ ابْنِ آدَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحُرْمَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَسْرُ عَظْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَكَسْرِ عَظْمِهِ فِي حَيَاتِهِ ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ: وَلِأَنَّ هَذَا مُفْضٍ إِلَى أَكْلِ لُحُومِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِّيقِينَ، وَمَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ حُرْمَتِهِ، وَتَعْظِيمَ حَقِّهِ ".
فَقَلَبَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَقَالَ: الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِهِ مُفْضٍ إِلَى قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِّيقِينَ إِذَا اضْطُرُّوا حَفْظًا لِحُرْمَةِ مَيِّتٍ كَافِرٍ، وَهَذَا أَعْظَمُ، فَلَمْ يَصِحَّ بِمَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُدُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَتِهِ، قول الله تعالى: {فمن أضطر من مخمصة غير متجانف لأثم فإن الله عفور رَحِيمٌ} (المائدة: 3) فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ قُتِلَ بِأَحَدٍ: " لَوْلَا صَفِيَّةُ لَتَرَكْتُهُ تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ؛ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِهَا ". فَإِذَا جَازَ أَنْ تَأْكُلَهُ الْبَهَائِمُ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا، فَأَوْلَى أَنْ تُحْفَظَ بِهِ نُفُوسُ ذَوِي الْحُرُمَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْ يُحْيِيَ نَفْسًا بِقَتْلِ نَفْسٍ، فَإِحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ ذِي نَفْسٍ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَبْلَى بِغَيْرِ إِحْيَاءِ نَفْسٍ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَبْلَى بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَفِظَ حُرْمَتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَانَ حِفْظُهَا فِي الْحَيَاةِ أَوْكَدَ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ حِفْظُ الْحُرْمَتَيْنِ، كَانَ حِفْظُ حُرْمَةِ الْحَيِّ بِالْمَيِّتِ أَوْلَى مِنْ حِفْظِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ بِالْحَيِّ.
فَإِذَا ثَبَتَ إِبَاحَةُ أَكْلِهِ مِنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلَّا قَدْرَ مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِيَحْفَظَ بِهِ الْحُرْمَتَيْنِ مَعًا، وَيُمْنَعَ مِنْ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ، وَيَأْكُلُهُ نِيئًا إِنْ قَدَرَ لِأَنَّ طبخه