أَحَدُهُمَا: خَوْفُ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ دَاخِلَ الْحَمَّامِ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ، وَالْمَجْزَرَةَ مَعْدِنُ الْأَنْجَاسِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ فِي التَّقْسِيمِ وَالْجَوَازِ سِيَّمَا إِنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَةَ الْمَكَانِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ [مَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ شَكَّ فَعَلَى وَجْهَيْنِ]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ لِأَجْلِ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَفِي الْمَجْزَرَةِ خَوْفُ نُفُورِ الذَّبَائِحِ فَعَلَى هَذَا الصَّلَاةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ لِأَجْلِ النَّهْيِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ ما لم يعلم يقين النجاسة
فأما نهينه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ: إِيذَاءُ الْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ وَإِيذَاءُ الْمُصَلَّى بِهِمْ، وَقِلَّةُ خُشُوعِهِ بِاجْتِيَازِهِمْ، فَعَلَى هَذَا الصَّلَاةُ جَائِزَةٌ مَعَ مَا فِيهَا من الكراهة
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا خَالَطَ التُّرَابَ مِنْ نَجِسٍ لَا تُنَشِّفُهُ الأرض إنما يتفرق فيه فلا يطهره إلا الماء "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ وَجُمْلَةُ النَّجَاسَةِ ضَرْبَانِ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ، وَالْخَمْرِ، وَالْمَاءِ النَّجِسِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي طَهَارَةِ الْأَرْضِ مِنْهَا وَمُسْتَجْسِدَةٌ، وَهِيَ كُلُّ عَيْنٍ قَائِمَةٍ وَجَسَدٍ مُشَاهَدٍ كَالْمَيْتَةِ، وَالْعَذْرَةِ، وَالْعَظْمِ النَّجِسِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الدَّمُ، لِأَنَّهُ يَجْمُدُ فَيَسْتَجْسِدُ، فَإِذَا حَصَلَ فِي الْأَرْضِ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَهَا حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أُزِيلَ عَنْهَا وَالْأَرْضُ طَاهِرَةٌ، وَلَمْ يُغْسَلِ الْمَكَانُ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا أُزِيلَ عَنْهَا وَغُسِلَ الْمَكَانُ بِمِثْلِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الْبَوْلُ مِنَ الْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ فَإِنْ غُسِلَ الْمَكَانُ قَبْلَ إِزَالَةِ النجاسة لم يطهر وإن كانت النَّجَاسَةُ مُخْتَلِطَةً بِالتُّرَابِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَلَا طَرِيقَ إِلَى طَهَارَةِ الْمَكَانِ بِإِيرَادِ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِاخْتِلَاطِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَإِنَّمَا تُطَهَّرُ بِأَحَدِ الأمرين إِمَّا بِقَلْعِ التُّرَابِ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ذَهَابُ جَمِيعِهَا وَظُهُورُ مَا لَمْ يُلَاقِهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ
وَالثَّانِي: أَنْ يُطَيِّنَ الْمَكَانَ بِمَا يَمْنَعُ مَسِيسَ النَّجَاسَةِ وَمُلَاقَاتِهَا، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ طَهُرَ ظَاهِرُ الْمَكَانِ وَجَازَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ " وَأَكْرَهُهَا " كَأَنَّهُ جَعَلَهَا كَالْمَقْبَرَةِ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهَا لَمْ تُنْبَشْ
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا نَجِسَ مَوْضِعٌ مِنَ الْأَرْضِ فَأَشْكَلَ الطَّاهِرُ مِنَ النَّجَسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فَضَاءٍ صَلَّى فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينُ النَّجَاسَةِ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي أَحَدِ بَيْتَيْهِ وَقَدْ أَشْكَلَا عَلَيْهِ اجْتَهَدَ فِيهِمَا كَالثَّوْبَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ قَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَوْضِعُهَا مِنْهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ: