قال الشافعي: " ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَأَحَلَّ الضُّبُوعَ وَلَهَا نابٌ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَأْكُلُهَا وتدع الأسد والنمر والذئب تحريماً له بالتقدر وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ أَنَّ مَا عَدَا مِنْهَا عَلَى النَّاسِ لِقُوَّتِهِ بِنَابِهِ حرامٌ وَمَا لَمْ يَعَدُ عَلَيْهِمْ بِنَابِهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا حلالٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، فَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ مَأْكُولًا، فَاحْتِيجَ إِلَى تَعْلِيلِ مَا حَرَّمَ بِهِ ذَوَاتَ الْأَنْيَابِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى تَعْلِيلِهِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَا قَوِيَتْ أَنْيَابُهُ فَعَدَا بِهَا عَلَى الْحَيَوَانِ طَالِبًا لَهُ غَيْرَ مَطْلُوبٍ، فَكَانَ عَدَاؤُهُ بِأَنْيَابِهِ علة تَحْرِيمِهِ وَقَالَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: هُوَ مَا كَانَ عَيْشُهُ بِأَنْيَابِهِ دُونَ غَيْرِهِ، لَا يَأْكُلُ إِلَّا مَا يفرس مِنَ الْحَيَوَانِ فَكَانَ عَيْشُهُ بِأَنْيَابِهِ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ، وَاخْتِلَافُ التَّعْلِيلَيْنِ يُبَيَّنُ فِي التَّفْضِيلِ. وَقَالَ أَبُو حنيفة: هو ما فرس بِأَنْيَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئْ بِالْعَدْوَى، وَإِنْ عَاشَ بِغَيْرِ أَنْيَابِهِ، وَهَذِهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ، أَعَمُّهَا عِلَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَوْسَطُهَا عِلَّةُ الشَّافِعِيِّ، وَأَخَصُّهَا عِلَّةُ الْمَرْوَزِيِّ، فَالْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ حَرَامٌ، لِوُجُودِ الْعِلَلِ الثَّلَاثِ فِيهَا، لِأَنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعَدْوَى بِقُوَّةِ أَنْيَابِهَا وَتَعِيشُ بِفْرِيسَةِ أَنْيَابِهَا، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهَا مِمَّا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْعِلَلُ الثَّلَاثُ.
فَأَمَّا الضَّبُعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا، لِعَدَمِ الْعِلَّتَيْنِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِالْعَدْوَى، وَقَدْ يَعِيشُ بِغَيْرِ أَنْيَابِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّهُ يَتَنَاوَمُ حَتَّى يُصْطَادَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَرَامٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَكْرُوهٌ، وَالْمَكْرُوهُ عِنْدَهُ مَا يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ، وَلَا يَقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ، احْتِجَاجًا بِنَهْيِهِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَهُوَ ذُو نَابٍ يفرس به، ولأن ما فرس بِأَنْيَابِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ كَالسِّبَاعِ.
وَدَلِيلُنَا: مَعَ التَّعْلِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: أَرَأَيْتَ الضَّبُعَ أصيدٌ هُوَ؟ قَالَ: