الحاوي الكبير (صفحة 6977)

حكم تضحية العبيد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ لعبدٍ وَلَا مدبرٍ وَلَا أُمِّ ولدٍ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَلَّكُونَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُمَلَّكُونَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبِّرِينَ فَلَا يَمْلِكُونَ إِنْ لَمْ يُمَلَّكُوا، وَلَا هُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّحَايَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا، فَإِنْ ضَحَّى أَحَدَهُمْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ عَنِ السَّيِّدِ لَا عَنْهُ، وَإِنْ ضَحَّى بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالذَّبْحِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَتَكُونُ الذَّبِيحَةُ لَحْمًا لِلسَّيِّدِ، وَلَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ، وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا، فَفِي صِحَّةِ مِلْكِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ، وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّحَايَا مَلَكَ أَوْ لَمْ يَمْلِكْ، لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ حَجْرًا وَإِنْ مَلَكَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ أَنْ يُضَحِّيَ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضَحِّيَ عَنِ السَّيِّدِ فَيَصِحَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، وَيَكُونَ فِي هَذَا الْإِذْنُ بِذَبْحِهَا عَنِ السَّيِّدِ رُجُوعًا مِنْهُ فِي تَمْلِيكِ الْعَبْدِ، وَيَصِيرَ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْ سَيِّدِهِ فِي الذَّبْحِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ بَعْدَ الذَّبْحِ أَنْ يُفَرِّقَ اللَّحْمَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ الْأَوَّلَ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الذَّبْحِ دُونَ التَّفْرِقَةِ فَاحْتَاجَ إِلَى إِذْنٍ فِي التَّفْرِقَةِ، فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ الْأَوَّلُ فِي الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ صَحَّا جَمِيعًا مِنْهُ بِإِذْنٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ مَرْدُودِينَ إِلَى اجْتِهَادِ الْعَبْدِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ فَفِي جَوَازِهَا عَنْ نَفْسِهِ قَوْلَانِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ جَازَ وَإِنْ قِيلَ: لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ كَانَتْ أُضْحِيَّةً عَنِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِمَا اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ فِيهَا بِالذَّبْحِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إِيجَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَتَعَيُّنِهَا صَحَّ رُجُوعُ السَّيِّدِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ إِيجَابِهَا وَتَعَيُّنِهَا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ السَّيِّدِ فِيهَا، لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ كَالْمَذْبُوحَةِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أُضْحِيَّةَ الْعَبْدِ لَا تَجُوزُ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ ذَبْحِهَا قَبْلَ التَّعْيِينِ وَبَعْدَهُ، وَإِذَا ذَبَحَهَا الْعَبْدُ كَانَتْ ذَبِيحَةَ لَحْمٍ وَلَمْ تَكُنْ أُضْحِيَّةً لِلْعَبْدِ وَلَا لِلسَّيِّدِ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَيَمْلِكُ إِكْسَابَ نَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ وَلَا يُمَاثِلُ مِلْكَ الْحُرِّ، لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى أدائه في مال الكتابة ومؤونة نفس وَلِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ حَجْرٌ بِمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مال الكتابة، وليس من أهل الضحايا لقصوره مِلْكَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ بحق حجر، فإن أذن له السيد في الأضحية، فَإِنْ مُنِعَ الْعَبْدُ مِنْهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015