وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - إنَّهَا تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ خَاصَّةً لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَلَا يَدَّخِرَ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ بِفَوَاتِ ذَبْحِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنَ الْأَدَاءِ إِلَى الْقَضَاءِ فَصَارَتْ حَقًّا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُهَا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالتَّفْرِيطِ أَوْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فَلَيْسَ بِمُلْتَزِمٍ لِغَيْرِهَا وَقَدْ فَعَلَ فِي نَحْرِهَا وَتَفْرِيقِهَا مَا لَزِمَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْبَدَلِ لِتَفْرِيطٍ فِيهَا فَلَا يَخْلُو حَالُ بَدَلِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي غَيْرِهَا فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنَ الْبَدَلِ بِوُجُودِهَا كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إِذَا أَبِقَ، وَكَانَ الْغَاصِبُ مَأْخُوذًا بِالْقِيمَةِ فَوَجَدَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنَ الْقِيمَةِ بِوُجُودِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْجَبَ الْبَدَلَ وَعَيْنَهُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ بَاقٍ وَلَمْ يَذْبَحْهُ فَقَدْ سَقَطَ إِيجَابُ بَدَلِهَا بِوُجُودِهَا وَعَادَ إِلَى مِلْكِهِ كَقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ إِذَا أُخِذَتْ ثُمَّ وُجِدَ رُدَّتْ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلُهَا قَدْ ذُبِحَ وَفُرِّقَ فِي أَهْلِ الضَّحَايَا قَبْلَ وُجُودِهَا فَيَصِيرُ ذَبْحُ الْبَدَلِ أُضْحِيَّةَ تَطَوُّعٍ، وَلَا يَعْتَاضُ عَنِ الْبَدَلِ بِاسْتِبْقَاءِ الْأَصْلِ بَلْ يَذْبَحُهُ بَعْدَ الْبَدَلِ فَيَكُونُ أُضْحِيَّتَيْنِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَلَحْمُهُ بَاقِيًا عِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَحْمَ الْبَدَلِ قَدْ صَارَ أُضْحِيَّةً بِالذَّبْحِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الضَّحَايَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَدْ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الضَّحَايَا قَبْلَ تَفْرِقَتِهِ كَمَا زَالَ حُكْمُهَا عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ من بيع وغيره.
قال الشافعي: " وَلَوْ أَنَّ مُضَحِّيَيْنِ ذَبَحَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ ضَمِنَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا ذَبَحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا وَأَجْزَأَ عَنْ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا ضَحِيَّتُهُ وَهَدْيُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَذْبَحَ رَجُلٌ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَبْحَهَا يُجْزِئُ عَنْ قُرْبَةِ صَاحِبِهَا يَسْلُكُ بِهَا بَعْدَهُ مَسْلَكَ الضَّحَايَا، وَيَكُونُ الذَّابِحُ ضَامِنًا لِنُقْصَانِ ذَبْحِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ ذَبْحُ غَيْرِهِ وَيَكُونُ لَحْمًا وَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُهُ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الذَّابِحِ نُقْصَانُ ذَبْحِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالَّذِي أَرَاهُ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ فِي الضَّمَانِ أَنْ يَنْظُرَ فِي زَمَانِ الذَّبْحِ فإن كان