وَكَمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ أَجَّرَ ظَهْرَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ معاوضة على منافعها والمنافع تبعاً لِلْأَصْلِ، وَإِنْ أَعَارَ ظَهْرَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ إِرْفَاقٌ يَجُوزُ فِي لَحْمِهَا فَجَازَتْ فِي مَنَافِعِهَا. تَلَفُ الْأُضْحِيَّةِ بِالرُّكُوبِ
فَلَوْ رَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ ضَمِنَهَا دُونَ الْمُعِيرِ، وَلَا يَضْمَنُ أُجْرَتَهَا الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الْمُعِيرُ، وَلَوْ رَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتِهَا لِلْمُؤَجِّرِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَضَمِنَ أُجْرَتَهَا الْمُسْتَأْجِرُ دُونَ الْمُؤَجِّرِ، وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ أُجْرَةَ مِثْلِهَا كَضَمَانِهَا عَنْ إِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَأَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلْمَسَاكِينِ قَدِ الْتَزَمَ لَهُمْ مَا سَمَّاهُ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْأُجْرَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الضَّحَايَا كَالْأَصْلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا تُصْرَفُ إِلَى الْفُقَرَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الضَّحَايَا فِي الْأَعْيَانِ دُونَ النُّذُورِ.
فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى شَاةً وَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا لِفَوَاتِ الرَّدِّ بِالْإِيجَابِ وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ كَالثَّوْبِ، وَفِي هَذَا الْأَرْشِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الضَّحَايَا.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً لِأَنَّهُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ عليه والله أعلم بالصواب.
قال الشافعي: " وَإِنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا فَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا لِأَنَّ ثَمَنَهَا بدلٌ مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وَزَادَ شَيْئًا لَا يَبْلُغُ أُخْرَى ضَحَّى بأضحيةٍ وَأُسْلِكَ الْفَضْلُ مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحَبُّ إِلَيَ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حَتَى يُوَفِيَهُ أضحيةٌ لِأَنَّهُ مستهلكٌ لِلضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ أضحيةٌ مِثْلُهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ تَلَفَ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَضْمُونٌ، وغير مضمون.
فأما تلفها غير مضمون فَهُوَ أَنْ تَمُوتَ عَطَبًا بِغَيْرِ عُدْوَانٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا؛ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا فَاحْتَرَقَتْ أو ندر أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَلِكَ مَوْتُ الْأُضْحِيَّةِ غَيْرُ