بِالْجِرَاحِ دُونَ الْجَارِحِ فَيَصِيرُ مَوْتُ الصَّيْدِ مِنْ ثلاثة جراحات، اختصت الثالثة منها بالضمان فأحيت ضَمَانَ ثُلُثِ الْقِيمَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ إِنَّهَا تَكُونُ مُشَارِكَةً لِلْجِرَاحَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كُلِّ واحدٍ اعْتِبَارًا بِالْجَارِحِ دُونَ الْجِرَاحِ، فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ مَوْتُ الصَّيْدِ مِنْ جَارِحَيْنِ أَحَدُهُمَا: غَيْرُ ضَامِنٍ، وَهُوَ الثَّانِي الَّذِي أَثْبَتَ الصَّيْدَ بِجِرَاحَتِهِ، وَصَارَ فِي مِلْكِهِ، وَمِنَ الْجَارِحِ الثَّانِي الذي جرحه في الأول، ولم يثبته الجراحة الثَّانِية بَعْدَ مَا أَثْبَتَهُ الْجَارِحُ الثَّانِي: وَجُرْحُهُ فِي مِلْكِهِ، وَنِصْفُ فِعْلِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الجراحة الأولة كَانَتْ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ، وَالِامْتِنَاعُ وَنِصْفُ فِعْلِهِ مضمون، وهو جراحة الثانية للصيد بعدما صَارَ الصَّيْدُ مُمْتَنِعًا بِجِرَاحَةِ الْجَارِحِ الثَّانِي، وَصَارَ فِي مِلْكِهِ وَرُوحُ الصَّيْدِ قَدْ خَرَجَتْ بِثَلَاثِ جِرَاحَاتٍ؛ بجراحةٍ مِنْ مَالِكِ الصَّيْدِ بِإِثْبَاتِهِ، وَبِمِلْكِهِ، وَبِجِرَاحَتِهِ مِنَ الْجَارِحِ الْآخَرِ أَحَدُ جِرَاحَتِهِ غَيْرُ مضمون، وهو الجراحة الأولة، وَجِرَاحَةُ الثَّانِيةِ مَضْمُونَةٌ، وَهِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي وَصَلَتْ بَعْدَمَا مَلَكَ الصَّيْدَ الْجَارِحُ الثَّانِي بِإِثْبَاتِهِ، وَالْجَارِحُ الَّذِي مَلَكَ الصَّيْدَ لَا يَضْمَنُ جِرَاحَتَهُ، وَسَقَطَ نِصْفُ قِيمَةِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْجَارِحَيْنِ فَأَمَّا الْجَارِحُ الْآخَرُ فَقَدْ جَرَحَ جِرَاحَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: غَيْرُ مضمونة، وهي الجراحة الأولة فَسَقَطَ عَنْهُ رُبْعُ الْقِيمَةِ؛ وَيَضْمَنُ الْجِرَاحَةَ الثَّانِيةَ الَّتِي بَعْدَ جِرَاحَةِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِهِ الصَّيْدَ بِجِرَاحَتِهِ، فَيَضْمَنُ بِالْجِرَاحَةِ الثَّانِيةِ الْجَارِحُ الْأَوَّلُ رُبُعَ قِيمَتِهِ، فَصَارَ هَذَا الصَّيْدُ مَضْمُونًا بِرُبُعِ قِيمَتِهِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
وَمِثَالُهُ: رَجُلَانِ جَرَحَا مُرْتَدًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَمَاتَ مِنْ سَرَايَةِ الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا ضَمِنَ رُبُعَ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَارِحَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: جُرْحُهُ هدرٌ، فَلَمْ يَضْمَنِ الْآخَرُ نِصْفُهُ هدرٌ، وَنِصْفُهُ مَضْمُونٌ، فَضَمِنَ رُبُعَ الدِّيَةِ، فَيَصِيرُ فِيمَا يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ بِجِرَاحَتِهِ الثانية أربعة أوجه:
أحدهما: جَمِيعُ الْقِيمَةِ.
وَالثَّانِي: نِصْفُهَا.
وَالثَّالِثُ: ثُلُثُهَا.
وَالرَّابِعُ: رُبُعُهَا. وَيَجْرِي الْعَمَلُ فِي ضَمَانِ كُلِّ مِقْدَارٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ رَمَيَاهُ حَيًّا فَقَتَلَاهُ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ دَخَلَتْ فِي أَقْسَامِ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِذَا رَمَيَاهُ مَعًا، فَأَصَابَاهُ فِي حَالَةٍ واحدةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَمَاتَ مِنْ إِصَابَتِهِمَا كَانَ مِلْكًا