لِلْمُتَّصِلِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَكَاةً لِلْمُنْفَصِلِ، وَالْقَطْعُ فِي الْفَرْعِ قَدْ كَانَ ذَكَاةً لِلْمُتَّصِلِ، فَكَانَ ذَكَاةً لِلْمُنْفَصِلِ.
(فَصْلٌ:)
الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَ مِنَ الصَّيْدِ عُضْوًا كيدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُذُنٍ، ويجوز أن يحيى بَعْدَ قَطْعِهِ زَمَانًا طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا، وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَطْعِ إِمَّا بِالذَّبْحِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِرَمْيَةٍ بَائِنَةٍ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْكَلُ مَا بَانَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَكَاةً لَهُ، فَلَمْ تَصِرْ ذكاة لما بان منه، وقد روى عديه [أَبُو الدَّرْدَاءِ] أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَهَى عَنِ الْخَطْفَةِ " وَهُوَ مَا اقْتَطَعَهُ كَلْبٌ أو سيف أو سبع من الصيد، فبات مِنْهُ هَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْخَطْفَةَ: النُّهْبَةُ، وَمِنْهُ سُمِّي الْخُطَّافُ خُطَّافًا لِاخْتِطَافِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بِهَذَا الْقَطْعِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيُنْظَرَ فِيهِ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا، فَقَدَرَ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى مَاتَ فلم يزكه كَانَ الصَّيْدُ مَعَ مَا بَانَ مِنْهُ مَيْتًا لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَائِنِ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى مَاتَ أو أدرك مَيْتًا أَكَلَ جَمِيعَهُ الْبَائِنَ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقطعَ كَانَ هُوَ الْمُبِيحَ لِأَكْلِ الصَّيْدِ، فَصَارَ مُبِيحًا لِأَكْلِ الْبَائِنِ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهًا آخَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَائِنَ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ مَأْكُولًا؛ لِأَنَّهُ بَانَ مِنْهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَتَأَوُّلُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُؤْكَلُ عَلَى ذَكَاةِ الْأَصْلِ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ إِذَا تَعَذَّرَ فِيهِ الذَّبْحُ كَمَا يَكُونُ ذَكَاةً إِذَا وَجَأهُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِنُ مِنْهُ فِي إِبَاحَتِهِ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى سواء، ولا يختلفون أنه لو تعلق المتطوع بِجِلْدَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِهِ أَنَّهُ يَكُونُ مَا أَلْحَقْنَا به في إباحة أكله.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِيدَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ مسلمٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أداةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
لِأَنَّ حُكْمَ الْكَلْبِ حُكْمٌ لِمُرْسِلِهِ، كَالْآلَةِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الرَّامِي دُونَ مَالِكِهَا، وَسَوَاءٌ عَلَيْهِ الْمُرْسِلُ أَوْ غَيْرُهُ.
فَإِذَا صَادَ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّ مُرْسِلَهُ مَجُوسِيٌّ، كَمَا لَوْ رَمَى مَجُوسِيٌّ بِسَهْمِ مُسْلِمٍ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَوْ صَادَ مُسْلِمٌ بِكَلْبِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ صَيْدُهُ.