الحاوي الكبير (صفحة 6863)

وَتَعْلِيمُهُ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَشْلِيَ إذا أشلي، وهو أن يُرْسَلَ، فَيَسْتَرْسِلَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وهو أن يَعُودَ إِذَا طُلِبَ، وَيُزْجَرَ إِذَا زَجَرَهُ.

وَالثَّالِثُ: أن يحبس ما أمسكه، لا يَأْكُلُهُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا حَتَّى تَصِيرَ لَهُ عَادَةً، وَلَا يَصِيرُ بِالْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ مُعَلَّمًا.

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَصِيرُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مُعَلَّمًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِيرُ بِالْمَرَّتَيْنِ معلماً؛ لأن الثانية من الإرسال فَتَصِيرُ عَادَةً. وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِي تَكَامُلِ التَّعْلِيمِ غَيْرَ مَقْنَعٍ فِي الْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يمتنع أن يكون بسبب امتناعه في الأولة مَوْجُودًا فِي الثَّانِيةِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ زَالَ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ التَّعْلِيمِ هُوَ أَنْ ينتقل عن طبعه إلى اختيار مرسله، وهو لا ينتقل عنه إلا بالمرون عَلَيْهِ؛ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِرْسَالِهِ بِإِشْلَائِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ يقال: أشليت كلبي إذا دعوته، وأشليته إِذَا أَرْسَلْتُهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْإِشْلَاءَ فِي ضِدِّ مَعْنَاهُ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يستعمل في الدعاء وحده، لكنه دَعَاهُ إِلَى الصَّيْدِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُشْلِيًا لَهُ، كَمَا لَوْ دَعَاهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قال الشاعر:

(أشليت غَيْرِي، وَمَسَحْتُ عَقْبِي ... )

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِشْلَاءَ هُوَ الْإِغْرَاءُ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَغْرَاهُ كَانَ مُشْلِيًا لَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.

(صَددت وَلَمْ يَصْدُدْنَ خَوْفًا لريبةٍ ... وَلَكِنْ لِإِتْلَافِ الْمُحَرِّشِ وَالْمُشْلَى)

أَيِ الْمُغْرَى والله أعلم.

(مسألة:)

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول " فإن أكل فلا تأكل " (قال) وإذا جمع البازي أو الصقر أو العقاب أو غيرها مما يصيد أن يدعى فيجيب ويشلى فيطير ويأخذ فيحبس مرةً بعد مرةٍ فهو معلمٌ فإن قتل فكل وإذا أكل ففي القياس أنه كالكلب (قال المزني) رحمه الله ليس البازي كالكلب لأن البازي وصفه إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015