أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا الْكِلَابُ وَحْدَهَا، وَلَا يَحِلُّ صَيْدُ غَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ.
وَالثَّانِي: إِنَّ التَّكْلِيبَ مِنْ صِفَاتِ الْجَوَارِحِ مِنْ كلب وغيره، وفيه تأويلان:
أحدهما: أنه الضرواة عَلَى الصَّيْدِ، وَمَعْنَاهُ: مُضْرِينَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ التَّعْلِيمُ، وَهُوَ أَنْ يمسك، ولا يأكل.
ثم قال تعالى: {تُعَلِّمُونَهُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) {المائدة: 4) فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُرْسِلُوهُنَّ عَلَى مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ دُونَ ما حرمه عليكم.
والثاني: تعلمونهم مِنْ طَلَبِ الصَّيْدِ لَكُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِنَ التَّأْدِيبِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ، وَهُوَ تَعْلِيمُهُ أَنْ يَسْتَشْلِيَ إِذَا أُشْلِيَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ وَيُمْسِكَ إِذَا أَخَذَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مَمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكُمْ) {المائدة: 4) فَكَانَ هَذَا نَصًّا فِي الْإِبَاحَةِ وَفِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَأَى كَلْبًا، فَرَجَعَ، وَقَالَ: " إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كلبٌ ".
قَالَ أَبُو رَافِعٍ، " فَأَمَرَنِي بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَتَلْتُهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَسَكَتَ حَتَى نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ ".
وَالثَّانِي: إِنَّ زَيْدَ الْخَيْلِ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَ لَهُ: " فِينَا رَجُلَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا دُرَيْعٌ، وَالْآخَرُ يُكَنَّى أَبَا دُجَانَةَ، وَلَهُمَا أَكْلُبٌ خَمْسَةٌ تَصِيدُ الظِّبَاءَ فَمَا تَرَى فِي صَيْدِهَا؟ ".
وَحَكَى هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَسْمَاءَ هَذِهِ الْكِلَابِ الْخَمْسَةِ الَّتِي لِدُرَيْعٍ وَأَبِي دُجَانَةَ: الْمُخْتَلِسُ، وَغَلَّابٌ، وَسَهْلَبٌ وَالْغُنَيْمُ وَالْمُتَعَاطَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ انتقض مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراطٌ ".
وَرَوَى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل ما ردت عليك فرسك وَكَلْبُكَ ".
وَرَوَى عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْتُ: إِنَّا قومٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ، فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، وَإِنَ قَتَلَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوَنَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَتهَا كلابٌ غَيْرهَا، فَلَا تَأْكُلْ ".