فيه، إن لم يرج إِسْلَامَهُمْ مُنِعُوا مِنْ نُزُولِهِ صِيَانَةً لَهُ مِنَ الِاسْتِبْذَالِ، وَإِنْ رُجي إِسْلَامُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ جَازَ إِنْزَالُهُمْ فِيهِ.
قَدْ أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ، وَإِسْلَامِ قَوْمِهِمْ.
وَلَوْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ فِيمَنْ لَمْ يَرْجُ إِسْلَامَهُمْ إِلَى إِنْزَالِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ لِتَعَذُّرِ مَا يَنْزِلُونَ فِيهِ، مُسْتَكِنِّينَ فِيهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ جَازَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَنْزِلُوا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْزَلَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِيَ النَّضِيرِ مِنْ ضَرُورَةٍ حَتَّى أَمَرَ بِهِمْ، فَبِيعُوا وَرَبَطَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ إِلَى سَارِيَةٍ فِي مَسْجِدِهِ.
فَأَمَّا مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِذْنُ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِمُقَامٍ أَوِ اجْتِيَازٍ، فَإِنْ كَانَ لِمُقَامٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَزِيدُ عَلَى مُقَامِ السَّفَرِ لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ فِيهِ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِي الدِّينِ أَوْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَكُونُ الْإِذْنُ مَشْرُوطًا أَنْ لَا يَسْتَضِرَّ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ.
وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِاجْتِيَازٍ أَوْ لُبْثٍ يَسِيرٍ نُظِرَ فِي الْمَسْجِدِ.
فَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَوَامِعِ الَّتِي لَا يَتَرَتَّبُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهِ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَ إِذْنُهُ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، كَانَ أَوْلَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِيمَا أُبِيحَ مِنْ دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مِنْ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ فِيهَا أَئِمَّتُهَا بِغَيْرِ إِذَنِ السُّلْطَانِ لَمْ يُعْتَبَرْ إِذَنُ السُّلْطَانِ فِي دُخُولِهِ.
وَفِيمَنْ يَصِحُّ إِذْنُهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: كُلٌّ مَنْ صَحَّ أَمَانُهُ لِمُشْرِكٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَحُرٍّ وَعَبْدٍ، صَحَّ إِذْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ أَغْلَظُ.
والْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذْنُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، لِمَا تَعَلَّقَ بِهِمْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
: فَأَمَّا تَعْلِيمُهُمُ الْقُرْآنَ، فَيَجُوزُ بِهِ إِذَا رُجِيَ بِهِ إِسْلَامُهُمْ وَلَا يَجُوزُ إِذَا خِيفَ بِهِ الِاسْتِهْزَاءُ بِهِ.
قَدْ سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - أُخْتَهُ تَقْرَأُ سُورَةَ " طه " - فَأَسْلَمَ. وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِذَا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ كَادَ أَنْ يَنْقَطِعَ قَلْبِي.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَعَلُّمِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَأَخْبَارِ الرَّسُولِ إِنْ رُجِيَ بِهِ إِسْلَامُهُمْ لَمْ