الْبَغْدَادِيِّينَ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ الدِّينَارِ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ عُمَرُ فِي صُلْحِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلِأَنَّ الدِّينَارَ مَعْلُومٌ يَعُمُّ نَفْعُهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِالضَّيَافَةِ الَّتِي يَخُصُّ نَفْعُهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ - يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ يبدلوا الدِّينَارَ مَعَهَا، إِذَا كَانَ مَبْلَغُهَا فِي السُّنَّةِ مَعْلُومًا قَدْرُ الدِّينَارِ فَمَا زَادَ، لِأَنَّ الضِّيَافَةَ جِزْيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ بَيْنَ جزيئين، كما يلزم في نصارى بني تغلب حين وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى الدِّينَارِ دُونَ الضِّيَافَةِ جَازَ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى الضِّيَافَةِ دُونَ الدِّينَارِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَدُهُمْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ ثَمَنُ الضِّيَافَةِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعْلَمَ عَدَدُ الْأَضْيَافِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ، أَوْ مَرَّ بِهِمْ بَعْضُ الْعَدَدِ حُوسِبُوا، وَأُخِذَ مِنْهُمْ ثَمَنُ ضِيَافَةِ مَنْ بَقِيَ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَدُهُمْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي حَتَّى يُعْلَمَ عَدَدُهُمْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قِيمَةُ الضِّيَافَةِ إِنْ تَأَخَّرَ الْأَضْيَافُ، وَتُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي قِيمَتُهَا إِنْ تَأَخَّرُوا.
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنْ يُشْتَرَطُ لَهُ مِنَ الْأَضْيَافِ، فَهُمْ أَهْلُ الْفَيْءِ مِنَ الْمُجْتَازِينَ بِهِمْ دُونَ الْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّ الضِّيَافَةَ جِزْيَةٌ، وَالْجِزْيَةَ لِأَهْلِ القيء خاصة، فعلى هذا تكون مقصورة على الجيش الْمُجَاهِدِينَ خَاصَّةً أَوْ تَكُونُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ مَصْرِفِ مَالِ الْفَيْءِ، هَلْ يَخْتَصُّ بِالْجَيْشِ أَوْ يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ الْفَيْءِ؟ فَإِنْ شُرِطَتِ الضِّيَافَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَمِيعِ السابَلَةِ جَازَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِذَا قِيلَ: إِنَّهَا تُشْتَرَطُ بَعْدَ الدِّينَارِ، وَلَمْ تَجُزْ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي إِذَا قِيلَ: إنه يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا، فَإِنْ أَرَادَ الضَّيْفُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ قَدْرَ ضِيَافَتِهِ، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ عِنْدِهِمْ نُظِرَ. فَإِنْ طَالَبَهُمْ بِثَمَنِ الضِّيَافَةِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ دَفْعُهُ، وَإِنْ طَالَبَهُمْ بِطَعَامِ الضِّيَافَةِ لَزِمَهُمْ دَفْعُهُ، وَفَارَقَ مَا أُبِيحُ مِنْ أَكْلِ طَعَامِ الْوَلَائِمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْوَلِيمَةُ مَكْرُمَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِطَعَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَوَّلِ منها، لأنه مؤجل فيها، فلا يطالبوا بِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَيُطَالِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِقَدْرِ ضِيَافَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِضِيَافَةِ الْيَوْمِ