فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ، وَأَبِي بَصِيرٍ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَعَلَى أَنَّهُمَا كَانَا ذَوِي عِشْرَةٍ طُلِبَا رَغْبَةً فِيهِمَا، وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِمَا، فَخَالَفَا مَنْ عَدَاهُمَا.
: فَإِذَا ثَبَتَ سُقُوطُ الْفِدَاءِ، وَتَحْرِيمُ الْعَوْدِ، فَالْوَفَاءُ لَهُمْ بِالْفِدَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ، لِيَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى إِطْلَاقِ الأسرى.
والوفاء بالعود محظور، يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ.
فَإِنِ افْتَدَى نَفْسَهُ بِمَالِ سَاقَهُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ بَذْلُهُ لَهُمْ مُبْتَدِئًا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مَغْنُومًا، وَإِنْ شَرَطُوهُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ، وَيَكُونُ أَحَقَّ مِنَ الْغَانِمِينَ بِهِ.
وَهَكَذَا إِذَا افْتَدَى الْإِمَامُ أَسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَال سَاقَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ غَنِمَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْهُمْ، لَمْ يَمْلِكْهُ الْغَانِمُونَ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ صَارَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَعُودَ إِلَى حَقِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
: قال الشافعي: " وَلَوْ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إِلَّا أَدَاؤُهُ إِلَيْهِمْ إِنَّمَا أَطْرَحُ عَنْهُ مَا اسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ابْتَاعَ الْأَسِيرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مَالًا بِثَمَنٍ أَطْلَقُوهُ عَلَيْهِ، لِيَحْمِلَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَخْلُ ابْتِيَاعُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُرَاضَاةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ.
فَإِنْ كَانَ عَنْ مُرَاضَاةٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَحَمَلَ الثَّمَنَ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْعُقُودَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَازِمَةٌ، كَلُزُومِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ كَانَ تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي الدَّارَيْنِ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ عَنْ إِكْرَاهٍ، فَعَقْدُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عِنْدَ اسْتِئْمَانٍ، وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ رَدِّهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا ابْتَاعَهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَضَمَانِهِ الرَّدَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ رد ما ابتاعه منهم، لأن عَيْنُ مَالِهِمْ، وَبَيْنَ دَفْعِ ثَمَنِهِ، لِأَنَّهُمْ قَدِ امْتَنَعُوا بِهِ، فَلَوْ تَلِفَ مِنْهُ مَا ابْتَاعَهُ نُظِرَ فِي تَلَفِهِ.
فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اعْتُبِرَ حَالُ قَبْضِهِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
وَفِي ضَمَانِهِ إِذَا لَزِمَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الوجهين: