الأمرين بعمر عندنا في السواد وفتوحه إن كان عنوة لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر لكبر قدره ولو يفوت عليه من بغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان له منه عوض ولكان عليهم أن يردوا الغلة والله أعلم كيف كان وهكذا صنع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في خيبر وبني قريظة لمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام نظرا للمسلمين أن يجعلها وقفا عليهم تقسم غلته على أهل الفيء والصدقة وحيث يرى الإمام ومن يطب نفسا فهو أحق بماله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَرْضُ السَّوَادِ، فَهُوَ سَوَادُ كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ الَّذِي فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَمَلَكُوهُ عَنْوَةً فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ أَطْرَافُهُ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ حُرَيْثَةِ الْمَوْصِلِ إِلَى عَبَّادَانَ، وَعَرْضًا مِنْ عُذَيْبِ الْقَادِسِيَّةِ إِلَى حُلْوَانَ، يَكُونُ طُولُهُ مِائَةً وَسِتِّينَ فَرْسَخًا، وَعَرْضُهُ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا، وَلَيْسَتِ الْبَصْرَةُ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي هَذَا الْحَدِّ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ،؛ لِأَنَّهَا مِمَّا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمَوَاتِ إِلَّا مَوَاضِعَ مِنْ شَرْقِيِّ دَجْلَتِهَا يُسَمِّيهِ أهل البصرة الفرات. ومن غربي دجلتها لنهر معروف بنهر المرات، وَيُسَمَّى بِالْفَهْرَجِ.
وَحَضَرْتُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِي وَهُوَ يُدَرِّسُ تَحْدِيدَ السَّوَادِ فِي كِتَابِ " الرَّهْنِ " وَأَدْخَلَ فِيهِ الْبَصْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، وَقَالَ: هَكَذَا تَقُولُ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ عَلِّقُوا مَا يَقُولُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَعْرَفُ بِالْبَصْرَةِ.
وَفِي تَسْمِيَتِهِ سَوَادًا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: لِكَثْرَتِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَوَادِ الْقَوْمِ إِذَا كَثُرُوا، وَهَذَا قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ.
وَالثَّانِي: لِسَوَادِهِ بِالزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْخُضْرَةَ تُرَى مِنَ الْبُعْدِ سَوَادًا، ثُمَّ تَظْهَرُ الْخُضْرَةُ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا فَقَالُوا المسلمون حين اقبلوا من بياض الفلات: مَا هَذَا السَّوَادُ، فَسَمَّوْهُ: سَوَادًا.
وَالثَّالِثُ: لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْخُضْرَةِ وَالسَّوَادِ فِي الِاسْمِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(وَرَاحَتْ رواحا مِنْ زُرُودٍ فَصَادَفَتْ ... زُبَالَةَ جِلْبَابًا مِنَ اللَّيْلِ أَخْضَرَا)
يَعْنِي أَسْوَدَ، وَسَوَادُ كِسْرَى أَزْيَدُ مِنَ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا، فَيَكُونُ الْعِرَاقُ أَقْصَرَ مِنَ السَّوَادِ بِخُمْسِهِ وَالسَّوَادُ أَطْوَلَ مِنَ الْعِرَاقِ بِرُبْعِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْعِرَاقِ مِنْ