وَسَارَ إِلَيْهِمْ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ، وَكَانُوا أَشْجَعَ الْيَهُودِ، فَحَاصَرَهُمْ أَشَدَّ الْحِصَارِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَلَى أَنَّ لَهُ أَمْوَالَهُمْ وَلَهُمُ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ، فَكُتِّفُوا وَهُوَ يُرِيدُ قَتْلَهُمْ، فَكَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن أبي بن سَلُولَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَقَالَ: أَحْسِنْ فِيهِمْ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَرَاجَعَهُ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَوَالِيَّ أَرْبَعُمِائَةِ حاسرا، وَثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ، قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ، وَمِنَ الْأُسُودِ نَحْصُدُهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا آمَنُ وَأَخَافُ الدَّوَائِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَلُّوهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وسلاحهم، وكانوا صاغة ولم يكن لهم حرب وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ إِلَى " أَذَرِعَاتِ " الشَّامِ فَسَارَ بِهِمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، حَتَّى بَلَغَ " دِبَابَ " وَأَخَذَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خُمْسَ غَنَائِمِهِمْ وَصَفِيَّةَ، وَسَهْمَهُ وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ خَمَّسَهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد بدر.
ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ السَّوِيقِ، وَسَبَبُهَا: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، لِمَصْرَعِ بَدْرٍ الرَّهْنَ وَالنِّسَاءَ، حَتَّى يَثْأَرَ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَخَرَجَ فِي مِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالَ شِعْرًا يُحَرِّضُ فِيهِ قُرَيْشًا
(كُرُّوا عَلَى يَثْرِبَ وَجَمْعِهِمْ ... فَإِنَّ مَا جَمَعُوا لَكُمْ نَفَلُ ... )
(إِنْ يَكُ يَوْمُ الْقَلِيبِ كَانَ لَهُمْ ... فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ لَكُمْ دُوَلُ ... )
(آلَيْتُ لَا أَقْرَبُ النِّسَاءَ وَلَا ... يَمَسُّ رَأْسِي وَجِسْمِيَ الْغُسُلُ ... )
(حَتَّى تُبِيرُوا قَبَائِلَ الْأَوْسِ وَالْ ... خَزْرَجِ إِنَّ الْفُؤَادَ مُشْتَعِلُ ... )
وَسَارَ بِهِمْ حَتَّى جَاءَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ لَيْلًا لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَفَتَحَ لَهُ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فَفَتَحَ لَهُمْ فَقَرَاهُمْ وَسَقَاهُمْ خَمْرًا، وَعَرَّفَهُمْ مِنْ أَخْبَارِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا سَأَلُوهُ، وَسَارَ أَبُو سُفْيَانَ فِي السَّحَرِ وَمَرَّ بِالْعُرَيْضِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَقَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَجِيرًا لَهُ وَرَأَى أَنَّ يَمِينَهُ قَدْ حُلَّتْ، وَعَادَ هَارِبًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ الْخَامِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَفَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَوَجَدُوهُمْ قَدْ أَلْقَوْا جُرَبَ السَّوِيقِ