حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ، فَسَجَدَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ مِنَ الْمَسْجِدِ مُتَقَارِبِينَ قَدْ سَرَّ الْمُشْرِكُونَ وَسَكَنَ الْمُسْلِمُونَ، وَبَلَغَتِ السَّجْدَةُ، مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ فَنَهَضَ مِنْهُمْ رِجَالٌ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتَأَخَّرَ آخَرُونَ، وَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا صَنَعْتَ؟ لَقَدْ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ، فَحَزِنَ حزنا شديدا، وخاف من الله خوفا كثيرا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مَا عَذَرَهُ فِيهِ فَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52] وَنَسَخَ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ بقوله: {ألكم الذكر وله الأنثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: 22] فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ سَمِعُوا النَّسْخَ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ مَدْحِ آلِهَتِنَا وَجَاءَ بِغَيْرِهِ فَازْدَادُوا شَرًّا وَشِدَّةً عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وَقَدِمَ مَنْ عَادَ مَنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَعَرَفُوا قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ مَا نُسِخَ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُسْتَخْفِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَهَا فِي جِوَارٍ، فَدَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَوْجَتُهُ رُقَيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي جِوَارِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَدَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي جِوَارِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَدَخَلَ جَعْفَرِ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ سِرًّا وَكَانَ جَمِيعُهُمْ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ نَفْسًا، ثُمَّ عَادُوا وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَّا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَإِنَّهُ أَقَامَ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَذِهِ هِيَ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
: وَلَمَّا اسْتَقَرَّ نُفُورُ قُرَيْشٍ بَعْدَ سُورَةِ النَّجْمِ عَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه بأمرين: أحدهما: مراسلة النجاشي في من هاجر إليه