فَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنَّهُ قَالَ فَغَتَّنِي غَتَّةً وَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ فَغَتَّنِي ثَانِيَةً، وَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق} إِلَى قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1، 2]
وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ تَعَارُضٌ يَمْنَعُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ فِي اجْتِمَاعٍ وَانْفِرَادٍ
وَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ حِرَاءٍ، وَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ وَحَدَّثَهَا مَا كَانَ، وَقَالَ لَهَا: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِي فَقَالَتْ: كَلَّا مَا كَانَ رَبُّكَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ، وَأَتَتْ خَدِيجَةُ إِلَى " وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ " وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا، وَخَرَجَ فِي طَلَبِ الدِّينِ وَتَنَصَّرَ وَقَرَأَ التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ، وَسَمِعَ مَا فِي الْكُتُبِ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى موسى ولئن كنت صادقة فإن زوجك محمد نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَيَلْقَيَنَّ مِنْ أُمَّتِهِ شِدَّةً فَإِنَّهُ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ، إِلَّا عُودِيَ، وَلَئِنْ عِشْتُ لَهُ لَأُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَأَنْصُرَنَّهُ نَصْرًا مُؤَزَّرًا
فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَ الثَّانِيَةَ مِنْ أَحْوَالِ نُبُوَّتِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ فِيهَا بِإِنْذَارٍ، وَلَا رِسَالَةٍ
ثُمَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا عَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ قَالَ لِخَدِيجَةَ: دَثِّرُونِي وصبوا علي ماء بارد، فَدَثَّرُوهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وأنزل عليه: {يا أيها المدثر قم فأنذر} إِلَى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر] فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَ الثَّالِثَةَ الَّتِي تَمَّتْ بِهَا نُبُوَّتُهُ، وَتَحَقَّقَتْ بِهَا رِسَالَتُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً في قول الأكثرين، وفي قول فريق ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ.
قَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَوَّلُ مَا تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الْأَحَدِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: " ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ النُّبُوَّةُ "
وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ اثْنَيْنٍ كَانَ، مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ
فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: كَانَ فِي الثَّانِي عَشَرَ من شهر رمضان، وقال أبو الخلد: كَانَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ