فَزَادَتِ الرِّئَاسَةُ، وَقَوِيَ تَأْسِيسُ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ أُمِّرَتْ قُرَيْشٌ وَكَثُرَتْ حَتَّى قَصَدَهُمْ صَاحِبُ الْفِيلِ، لِهَتْكِ الْحَرَمِ، وَهَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَسَبْيِ قُرَيْشٍ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَقَالَ:
(يَا رَبِّ لَا نَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ... )
(يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا ... )
(إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا ... )
(امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكَا ... )
فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَا حكاه في كتابه العزيز {طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول} فَهَلَكُوا جَمِيعًا فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
(أَنْتِ مَنَعْتَ الحبش والأقيالا ... )
(وَقَدْ رَعَوْا بِمَكَّةَ الْأَجْبَالَا ... )
(وَقَدْ خَشِينَا مِنْهُمُ الْقَتَالَا ... )
(وَكُلَّ أَمْرٍ لَهُمْ مِعْضَالَا ... )
0
- (حَمْدًا وَشُكْرًا، لك ذا الجلالا ... )
قد شهد بِذَلِكَ تَأْسِيسُ النُّبُوَّةِ فِيهِمْ، وَبَقِيَ تَعْيِينُهَا فِي الْمَخْصُوصِ بِهَا مِنْهُمْ.
: وَكَانَ مِنْ مَبَادِئِ أَمَارَاتِ النُّبُوَّةِ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِجَابَةُ دَعْوَةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَتَّى هَلَكَ أَصْحَابُ الْفِيلِ، تَخْصِيصًا لَهُ بِالْكَرَامَةِ حِينَ خُصَّ بِالنُّبُوَّةِ، فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، حَتَّى مَرَّ بِكَاهِنَةٍ مَنْ كَوَاهِنِ الْعَرَبِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ " فَرَأَتِ الْكَاهِنَةُ نُورَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَتْ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ، وَلَكَ مِائَةُ نَاقَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَقَالَ:
(أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهُ ... وَالْحِلُّ لَا حِلَّ فَاسْتَبِينُهُ)
(فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَبْغِينَهُ ... يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهْ)
وَمَضَى لِشَأْنِهِ، وَنَكَحَ آمِنَةَ، فَعَلَقَتْ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَادَ فَمَرَّ بِالْكَاهِنَةِ فَعَرَضَ لَهَا، فَلَمْ تَرَ ذَلِكَ النُّورَ، فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ هَذَا مَرَّةً فَالْيَوْمَ لَا، فَأُرْسِلَتْ مَثَلًا قَالَ: ثُمَّ وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ الْفِيلِ، عَلَى مَا رَوَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، فِي جِوَاءِ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَتَرَكُوا عَلَيْهِ لَيْلَةَ وِلَادَتِهِ، جَفْنَةً كَبِيرَةً، فَانْفَلَقَتْ عَنْهُ فَلْقَتَيْنِ