وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ تَفْرِيطٍ خَفِيٍّ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي اصْطِدَامِ السَّفِينَتَيْنِ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَفِي وجوب الضمان قولان.
قال الشافعي: " ولو أنه اوقفها فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِفَهَا فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ وَقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ غَيْرِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ، لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ التَّعَدِّي، وَإِنْ وَقَفَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقِفَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ لِتَعَدِّيهِ بِوَقْفِهَا فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ إِذَنِ الْمَالِكِ، فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَا يَضْمَنُ إِذَا وَقَفَهَا فِي مِلْكِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقِفَهَا فِي طَرِيقٍ سَابِلٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنْسَبَ إِلَى التَّفْرِيطِ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ. إِمَّا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ ضَيِّقَةً.
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ شَغِبَةً.
وَإِمَّا أَنْ يَقِفَهَا فِي وَسَطِ طَرِيقٍ فَسِيحَةٍ، فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا أَتْلَفَتْ لِتَعَدِّيهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُنْسَبَ إِلَى تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَهَا بِفِنَاءِ دَارِهِ فِي طَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَالدَّابَّةُ غَيْرُ شَغِبَةٍ، فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ بِفِنَاءِ داره هل يضمن ما تلف بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَلَوْ مَرَّ بِهَذِهِ الدَّابَّةِ الواقفة من تحتها وبعج بطنها حتى نفرت، وأتلفت، ضمن الذي بعجها مَا أَتْلَفَتْهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَضْمَنْهُ وَاقِفُهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ بِمُبَاشَرَةٍ يَسْقُطُ بِهِ حُكْمُ السَّبَبِ.
وَإِذَا مَرَّتْ بَهِيمَةٌ لِرَجُلٍ بِجَوْهَرَةٍ لِآخَرَ، فَابْتَلَعَتْهَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْبَهِيمَةِ صَاحِبُهَا فَيَضْمَنُ الْجَوْهَرَةَ، لِأَنَّ فِعْلَ البهيمة مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ شَاةً أَوْ بَعِيرًا.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنْ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ شاة يَضْمَنُ الْجَوْهَرَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيرًا ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ العادة في البعير أن تضبط، وَفِي الشَّاةِ أَنْ تُرْسَلَ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ضَمَانِ الزَّرْعِ وَسُقُوطِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْبَهِيمَةِ صَاحِبُهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ