قال الشافعي: " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائطاً فأفسدت فيه فقضى عليه السلام أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا افسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها (قال الشافعي) رحمه الله: والضمان عَلَى الْبَهَائِمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ بِاللَّيْلِ ضَمِنَهُ أَهْلُهَا وَمَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنُوهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا الْبَابُ مَقْصُورٌ على جنايات البهائم المضمونة على أربابها بعد ما تَقَدَّمَ مِنْ جِنَايَاتِ الْآدَمِيِّينَ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ سَارِحَةً فِي مَرَاعِيهَا، وهي مسألة الكتاب، فتعدل من مراعيها إلى زروع ترعاها، وأشجار تفسدها، أو تفسد ثمرها، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعَهَا أَرْبَابُهَا فَيَضْمَنُوا مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ إِذَا كَانَتْ مَعَ صَاحِبِهَا مَنْسُوبٌ إليه، وإذا لم يكن معها منصوب إِلَيْهَا، كَالْكَلْبِ إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أَكَلَ مَا صَادَهُ، وَإِذَا اسْتُرْسِلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَنْفَرِدَ الْبَهَائِمُ عَنْ أَرْبَابِهَا، وَلَا يَكُونُوا مَعَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنْسَبَ أَرْبَابُهَا إِلَى التَّفْرِيطِ لِإِرْسَالِهِمْ لَهَا فِيمَا لَا يَسْتَبِيحُونَ رَعْيَهُ، أَوْ فِيمَا يَضِيقُ عَنْ كفاياتهم، كحريم الأنهار وطرق الضباع فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ عُدْوَانٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُنْسَبَ أَرْبَابُهَا إِلَى التَّفْرِيطِ لِإِرْسَالِهِمْ لَهَا نَهَارًا فِي مَوَاتٍ يَتَّسِعُ لَهَا وَحَبْسِهَا لَيْلًا في مراحها، وعطنها فذهب الشافعي أنه لا ضمان عليهم في مارعته نَهَارًا، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا رَعَتْهُ لَيْلًا، وَفَرَّقَ بَيْنَ رَعْيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارِ.