قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِذَا طَلَبَ الْفَحْلُ رجلاً ولم يقدر على دفعه إلا بقتله فقتله لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ كَمَا لَوْ حَمَلَ عليه مسلم بالسيف فلم يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إِلَّا بِضَرْبِهِ فَقَتَلَهُ بِالضَّرْبِ أنه هدر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بما يَجُوزُ لَهُ كَانَ الْأَقَلُّ أَسْقَطَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا خَافَ الإنسان عل نفسه من طالب لقتله أو قاطع لطرقه أَوْ جَارِحٍ لِبَدَنِهِ أَوْ خَافَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ فَلَهُ دَفْعُ الطَّالِبِ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ وَإِنْ أَفْضَى الدَّفْعُ إِلَى قَتْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّالِبُ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَوْ كَانَ بَهِيمَةً كَالْفَحْلِ الصَّائِلِ وَالْبَعِيرِ الْهَائِجِ لِمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ إِحْيَاءِ نَفْسِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ مَالَهُ وَدَمَهُ) .
وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ تَحْتَطِبُ فَتَبِعَهَا رَجُلٌ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بفهر فقتلته فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال: هذا قتيل الله والله لا يؤدي أبداً، ومعنى " قَتِيلُ اللَّهِ) : أَيْ أَبَاحَ اللَّهُ قَتْلَهُ، وَفِي قوله: " والله لا يؤدي أَبَدًا) تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْقَسَمِ بالله أنه لا يغرم دِيَتَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أن من أباح قتله لم يغرم دِيَتُهُ، وَلِأَنَّ الطَّلَبَ جِنَايَةٌ وَعُقُوبَةُ الْجَانِي مُبَاحَةٌ.
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ متفق عليه كانت نفسه هدراً مُكَلَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ.