وُلِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّارِ جَارٍ عَلَى أَهْلِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مَا فِيهَا وَأَبَاحَتْ دَارُ الشرك مَا فِيهَا) وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الدَّارَ لَا تُبِيحُ مَحْظُورًا وَلَا تَحْظُرُ مُبَاحًا؛ لِأَنَّ مُسْلِمًا لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لَمْ يُسْتَبَحِ اسْتِرْقَاقُهُ وقتله، ولو دخل حربي دار الإسلام لم يحرم اسْتِرْقَاقُهُ وَقَتْلُهُ فَنَقُولُ: كُلُّ مَنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْحَرْبِيِّ، وَكُلُّ مَنْ حَرُمَ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَرُمَ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالْمُسْلِمِ، فَيَدُلُّ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِ فِي الدَّارَيْنِ، وَيَدُلُّ الْقِيَاسُ الثَّانِي عَلَى الْمَنْعِ مِنَ اسْتِرْقَاقِهِ فِي الدَّارَيْنِ، وَبَطَلَ بِهِمَا فُرْقَةُ بين الدارين.
ويجبر ولد المرتدة عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً، وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْبَرُ الْغُلَامُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ، وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ إِلَّا أَنْ يُولَدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَلَدُ وَلَا وَلَدُ الولد غلاماً كان أو جارية، وفرق بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا وَالْغُلَامَ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ في عبدة الأوثان. وفرق بين الولد وولد الولد بأن الولد تبع أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَوَلَدُ الْوَلَدِ لَا يَتْبَعُ جَدَّهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ مُبِيحَةٌ ودار الإسلام حاظرة، وكل هذا الْفُرُوقِ بَنَاهَا عَلَى أُصُولٍ يُخَالَفُ فِيهَا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي بَعْضِهَا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ في باقيها.
قال الشافعي: " وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِوَاءَ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ فِي أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ كَالرَّجُلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بالردة، وقد مضى الكلام فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا بِالرِّدَّةِ وَتُؤْخَذُ بِالْإِسْلَامِ جَبْرًا، سَوَاءٌ أَقَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالْمُسْلِمِ طَرْدًا وَالْحَرْبِيِّ عَكْسًا، ولأن مَنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ حَرُمَ اسْتِرْقَاقُهُ بالردة كالرجل.
(مسألة)
قال الشافعي: " وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الرِّدَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَبَعْدَ إِظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي قِتَالٍ وهم ممتنعون أو غير قتال أو على نائرة أو غيرها سواء والحكم