وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " انظروا هذه الأسقية إذا اعتلمت عَلَيْكُمْ فَاقْطَعُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ) .
وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنشوان فقال له: " أشربت خمراً) فقال له لا وَاللَّهِ مَا شَرِبْتُهَا مُنْذُ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: " فَمَاذَا شَرِبْتَ) ؟ قَالَ: الْخَلِيطَيْنِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى النَّبِيذِ اسْمُ الْخَمْرِ، وَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ الْخَمْرِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: " اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا فَإِنِ اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ) وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " شَهِدْتُ تَحْرِيمَ النَّبِيذِ كَمَا شَهِدْتُمْ ثُمَّ شهدت تحليله، فحفظت ونسيتم) .
فمن ذلك ما روى قيس بن أبي حَازِمٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: أَنَّهُ قَدِمَ على عمر بن الخطاب، فدعا بعشر مِنْ نَبِيذٍ شَدِيدٍ فَقَالَ: اشْرَبْ فَأَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُ فما كدت أسبقه، ثُمَّ أَخَذَ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ: يَا عُتْبَةُ إننا ننحر كل يوم جزوراً ودكها وأطايبها فلمن حضر من آفاق المسلمين عُنُقُهَا فَلِآلِ عُمَرَ نَأْكُلُ هَذَا اللَّحْمَ الْغَلِيظَ، وَنَشْرَبُ هَذَا النَّبِيذَ الشَّدِيدَ، يَقْطَعُهُ فِي بُطُونِنَا أن يؤذيننا وَهَذَا فِعْلٌ مُنْتَشِرٌ لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ فَجَلَدَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا شَرِبْتُ من ادواتك فَقَالَ: إِنَّمَا أَضْرِبُكَ عَلَى السُّكْرِ مِنْهَا، وَلَا أَضْرِبُكَ عَلَى الشُّرْبِ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ السُّكْرِ دُونَ الشُّرْبِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَضَافَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، وَسَقَاهُ نَبِيذًا، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ دَفَعَهُ إِلَى خَادِمِهِ قَنْبَرٍ، وَمَعَهُ مِزْهَرٌ ليهديه إلى بيته، والمزهر السراج وقال لَهُ أهْدِهِ يَعْنِي إِلَى مَنْزِلِهِ لِسُكْرِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ جَمَاعَةٍ يَجْلِسُونَ عَلَى شَرَابٍ إِلَّا وَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا لَا يُسْكِرُ حَتَّى يَتَجَاوَزُوهُ إِلَى مَا يُسْكِرُ.