التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ثُمَّ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ مِنْ بَعْدُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَشَاهِدُهُ مِنَ اللُّغَةِ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
(بِئْسَ الصحاة وَبِئْسَ الشُّرْبُ شُرْبُهُمُ ... إِذَا جَرَى فِيهِمُ الْمُزَّاءُ وَالسَّكَرُ)
وَالسَّكَرُ: الْخَمْرُ، وَالْمُزَّاءُ: نَوْعٌ مِنَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ السَّكَرَ الْخَلُّ بِلُغَةِ الحبشة.
وقيل بلغة أزدعمان.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّكَرَ الطَّعَامُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: الاثنان، وَهَذَا قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(وَجَعَلْتَ عَيْبَ الْأَكْرَمِينَ سَكَرًا ... )
أَيْ طَعَامًا حَلَالًا ثُمَّ نزلت تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سَبَبِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ ثَمِلُوا مِنَ الشَّرَابِ، فَعَبَثَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ.
وَالثَّانِي: مَا حَكَاهُ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهُ سعد بن أبي وقاص لاحا رَجُلًا عَلَى شَرَابٍ. فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ بِلِحَى جَمَلٍ ففرز أَنْفَهُ، قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَوَى لَهُمْ رَأْسَ بَعِيرٍ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَغَضِبَ مِنْ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ سَعْدٌ، فَكَسَرَ أَنْفَهُ بَلِحَى الْبَعِيرِ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ.
والثالث: ما رواه عوف عن أبي القلوص، أَنَّ رَجُلًا سَكِرَ مِنَ الْخَمْرِ، فَجَعَلَ يَنُوحُ على قتلى بدر ويقول:
(تحيى بالسلامة أم بكر ... وهل لي بَعْدَ رهْطِكِ مِنْ سَلَامِ)
(ذَرِينِي أَصْطَبِحْ بكْرًا فإني ... رأيت الموت نبث عن هشام)
(ووديني الْمُغِيرَة لَوْ فَدَوْهُ ... بِأَلْفٍ مِنْ رِجَالٍ أَوْ سوام)
(وكائن بالطوي طوي بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام)
(وكائن بالطوي طوي بدر ... من القينات والحلل الكرام)