يجزئ فِي قَطْعِ الْمَالِ أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا:
أحدهما: وهو قول أبي حامد الإسفراييني يجزئ أن يقتصر عليهما وَحْدَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا يجزئ وَيُعْدَلُ عَنْهَا إِلَى قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَرِجْلِهِ اليمنى كمن ذهب يده اليمنى ورجله اليسرى والله أعلم.
قال الشافعي: " وَمَنْ عَفَا الْجِرَاحَ كَانَ لَهُ وَمَنْ عَفَا النَّفْسَ لَمْ يُحْقَنْ بِذَلِكَ دَمُهُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ إِذَا بَلَغَتْ جِنَايَتُهُ الْقَتْلَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِصَاصَ فِي قَتْلِ الْحِرَابَةِ مُنْحَتِمٌ، وَفِي انْحِتَامِهِ فِي جِرَاحِ الْحِرَابَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَنْحَتِمُ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يراعى فيه المكافأة من الْمَجْرُوحِ لِلْجَارِحِ؟ فَإِنْ كَافَأَهُ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُكَافِئْهُ تَفَرَّدَ بِأَخْذِ الْأَرْشِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنه منحتم، فعلى هذا هل تراعى فِيهِ الْكَفَاءَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يُرَاعَى، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ فيه عَلَى انْحِتَامِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُرَاعَى فِيهِ الْكَفَاءَةُ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَافَأَهُ انْحَتَمَ الْقِصَاصُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُكَافِئْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْأَرْشُ للجروح، وَصَارَ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِهِ فِي اسْتِيفَائِهِ وَعَفْوِهِ؛ لأنه يصير سقوط الْقِصَاصِ جَارِيًا مَجْرَى الْأَمْوَالِ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي بَعْضِهِ وَلَا يَجِبُ فِي جَمِيعِهِ كَالْهَاشِمَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْقِصَاصَ في الجراح غير منحتمة كَانَ الْمَجْرُوحُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ؛ بَيْنَ أن يقتص من الْإِيضَاحِ وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْهَشْمِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ.
وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الْأَرْشِ فَيَأْخُذَ دِيَةَ الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ.
وَبَيْنَ أن يعفو عن الأمرين، فإن قِيلَ: إِنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ مُنْحَتِمٌ انْحَتَمَ الْقِصَاصُ فِي إِيضَاحِ الْهَاشِمَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى وحتى الْمَجْرُوحِ، وَكَانَ أَرْشُ هَشْمِهَا خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ مُسْتَحَقًّا لِلْمَجْرُوحِ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَلَمْ يُهْدِرْ بغير قصاص ولا أرش.
(مسألة)
قال الشافعي: " ومن تاب منهم من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ ولا تسقط حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَبِهِ أقول) .