الحاوي الكبير (صفحة 6351)

وَدَلِيلُنَا: عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وَلَمْ يَخُصَّ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ وَجَبَ بِهِ ذَلِكَ الْحَدُّ فِي الْمِصْرِ كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وشرب الخمر، ولأنهم في المصر أغلظ جُرْمًا مِنَ الصَّحْرَاءِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَغْلَبَ أَمْنُ الْمِصْرِ وَخَوْفُ الصَّحْرَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمِصْرَ فِي قَبْضَةِ السُّلْطَانِ دُونَ الصَّحْرَاءِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمِصْرَ يَجْمَعُ فِي الْأَغْلَبِ مُلْكَ الْإِنْسَانِ وَلَا تَجْمَعُهُ الصَّحْرَاءُ فَكَانَ أَحْسَنَ أَحْوَالِهِمْ أَنْ يَكُونُوا فِي أَغْلَظِ الْأَمْرَيْنِ كَأَخَفِّهِمَا.

فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بكبس الدار في المصر فسنذكر من حُكْمِ الْمِصْرِ مَا يَكُونُ انْفِصَالًا عَنْهُ.

(فَصْلٌ)

أما الصَّحْرَاءُ فَلَا فَرْقَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ، وَأَمَّا الْقُرَى الَّتِي يَقِلُّ جَمْعُهَا فَهِيَ كَالصَّحْرَاءِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْحِرَابَةِ فِيهَا، وَأَمَّا الْأَمْصَارُ الْكِبَارُ الَّتِي لَا يُقَاوِمُونَ جَمِيعَ أَهْلِهَا فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي أَطْرَافِهَا حُكْمُ الْحِرَابَةِ كَالْقُرَى، وَأَمَّا وَسَطُ الْمَصْرِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَكَاثَرُ النَّاسُ فِيهَا مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَدُورِهِمْ إِذَا كَبَسُوا سُوقًا مِنْهَا فَنَهَبُوهَا أَوْ دَارًا فَأَخَذُوا مَا فِيهَا فَفِي جَرَيَانِ حُكْمِ الْحِرَابَةِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حكم الحرابة؛ لأنهم يعلنوا بالسلاح جهراً كَالصَّحْرَاءِ، وَحَدُّ الْحِرَابَةِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى دَفْعِ الْمُحَارِبِ وَهَذَا مَوْجُودٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قول الأقلين واختيار أبي حامد الإسفراييني: أنه لا تجري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْحِرَابَةِ لِوُجُودِ الْغَوْثِ فِيهِ غَالِبًا فسقط حكم نادره.

(مسألة)

قال الشافعي: " وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ أَخَذَ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ) .

قال الماوردي: قد ذكرنا اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِي قَطْعِ الْحِرَابَةِ كَاعْتِبَارِهِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَقِيمَةُ الْمَأْخُوذِ مُعْتَبَرَةٌ فِي زَمَانِ الْأَخْذِ وَفِي مَكَانِهِ إِنْ كَانَ مَوْضِعًا جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَيُوجَدُ فِيهِ مَنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيهِ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يوجد فيها بيع ذلك وشراؤه من القيم لا يعرف إِلَّا بِوُجُودِ مُشْتَرِيهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِسْلَامِ النَّاسِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لأمرين:

أحدهما: أنه لا قيمة لمال فِي تِلْكَ الْحَالِ الْمُتْلِفَةِ لِلْأَمْوَالِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015