الحاوي الكبير (صفحة 6339)

مَجْرَى نَفْسِهِ فَلَمْ يُقْطَعْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْمَالِ يَجِبُ عِنْدَ الْأَخْذِ لَهُ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَوَلَدُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ وَأَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَعَدَمَ فِيهِ مَعْنَى الْقَطْعِ فَسَقَطَ عَنْهُ.

فَأَمَّا الِاقْتِصَاصُ مِنَ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ وَلَا يُقْطَعُ فِي مَالِ الْوَالِدِ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ شُبْهَةٌ فِي الْقَطْعِ، وَلَيْسَ بوجوبها شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْوَالِدِ بِالْوَلَدِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، وَاقْتُصَّ مِنَ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ عَبْدٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِذَا سَرَقَ مال الآخر كما ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ يَدَ عَبْدِهِ كَيَدِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا مَنْ عَدَا الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنِيهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنِيهِمْ فَيُقْطَعُونَ إِذَا سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، سَوَاءٌ تَوَارَثُوا أَوْ كَانُوا مَحَارِمَ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالْأَجَانِبِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ إِذَا كان ذا رحم حرم احتجاجاً بأنها قرابة تتعلق بِهَا تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ الْقَطْعُ بِهَا كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ.

وَدَلِيلُنَا: أَنَّهَا قَرَابَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا سُقُوطُ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الْمَحَارِمِ مِنَ الْأَقَارِبِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فَسَادُهُ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ تَحْرِيمِ النَّسَبِ فِي حَظْرِ النِّكَاحِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ بَعْضِيَّةً فارقت ما عداهما من الأنساب فافترقا في د حكم القطع كما افترقا في رد الشهادة، وافترقا فِي الْقِصَاصِ، وَافْتَرَقَا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَنَا عَلَى الْعُمُومِ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ وَاخْتِلَافِهِ وَعِنْدَهُمْ يفترقان مع اختلاف الدين فإنهم أوجبوا نفقة الآباء وَالْأَبْنَاءِ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ وَمَعَ اخْتِلَافِهِ وَلَمْ يُوجِبُوا نَفَقَةَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ مَحَارِمِ الْأَقَارِبِ إِلَّا مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ وَأَسْقَطُوهَا مَعَ اخْتِلَافِهِ فَكَانَ هَذَا الْفَرْقُ فِي النَّفَقَةِ وَالْقِصَاصِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ مَانِعًا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الشَّرِيكُ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْرِقَ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ شُبْهَةٌ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ حِرْزُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَوْ مُخْتَصًّا بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَالٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ يَخْتَصُّ بِالشَّرِيكِ دُونَهُ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي حِرْزٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي حرز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015