قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أُغَرِّمُ السَّارِقَ مَا سَرَقَ قُطِعَ أَوْ لَمْ يقطع وكذلك قاطع الطريق والحد لله فلا يُسْقَطُ حَدُّ اللَّهِ غُرْمَ مَا أُتْلِفَ لِلْعِبَادِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَتِ السَّرِقَةُ بَاقِيَةً فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى مَالِكِهَا، وَيُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَغْرَمُهَا السَّارِقُ وَيُقْطَعُ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْغُرْمُ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا.
وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ، فَإِنْ قُطِعَ لَمْ يُغَرَّمْ وَإِنْ أُغْرِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَرَبُّهَا قَبْلَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِالْغُرْمِ فَلَا يُقْطَعُ وبين أن يمسك عَنْهُ فَيُقْطَعُ، وَلَوْ قُطِعَ وَالسَّرِقَةُ بَاقِيَةٌ فَأَتْلَفَهَا أجنبي لم يضمنها للسارق؛ لأنه غير مالك ولا لربها؛ لأن لا يُجْمَعَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ وَقَالَ: لَوْ سَرَقَ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ كُوزًا فَقُطِعَ لَمْ يَرُدَّ الْكُوزَ، لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ لَمْ يَرُدَّهُ إِذَا قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ صار بالسواد كالمستهلك، ولو صبغه أحمر رده لا يجعله كَالْمُسْتَهْلَكِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا قُطِعَ وَأُغْرِمَ كَقَوْلِنَا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قُطِعَ وَلَمْ يُغْرَمْ إِذَا أَيْسَرَ كقول أبي حنيفة، واحتج من منع الْجَمْعِ بَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] فَجُعِلَ جَزَاءَ سَرِقَتِهِ الْقَطْعُ دُونَ الْغُرْمِ، وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ) وهذا نص.