أَحَدُهُمَا: لَا يُحْبَسُ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثاني: أنه يحبس لحق الله تعالى في قطعه والله أعلم.
قال الشافعي: " فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ هَذَا مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عَلَيْهِ وابتاعه مِنْهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهِ لَمْ أقطعه لأني أجعله خَصْمًا لَوْ نَكَلَ صَاحِبُهُ أَحْلَفْتُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةِ مَالٍ مِنْ حِرْزٍ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَكْذَبَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِإِكْذَابِهِ تَأْثِيرٌ لِمَا فِي إِكْذَابِهِ مَنْ جَرْحِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ، وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَالْقَطْعِ، فَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَ الْمُدَّعِي بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَحْلِفْ لِمَا فِي يَمِينِهِ مِنْ جَرْحِ الشُّهُودِ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا وَادَّعَى أَنَّ الْمَالَ الذي أخذه من حرزه هو ماله غصب عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لَهُ عنده أو عارية أو وهبة لَهُ وَأُذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ مِنَ الْحِرْزِ عَنْ إِذْنِهِ فَهَذِهِ الدَّعْوَى مِنْهُ مُجَوَّزَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا قَدْحٌ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ فِعْلِهِ، وَهَذَا بَاطِنٌ مُحْتَمَلٌ، فَصَارَ كَشَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَادَّعَى دَفْعَهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقْدَحْ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سُئِلَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَمَّا ادَّعَاهُ السَّارِقُ فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْغُرْمُ وَالْقَطْعُ، وَإِنْ أَكْذَبَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا وَبَيِّنَتُهُ: شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ لِإِثْبَاتِ مَالٍ مَحْضٍ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا قَطْعَ، وَمَا بِيَدِهِ مِلْكٌ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ، وَإِنْ عَدِمَ الْبَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ الْمَالَ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا انْتَزَعَهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا رَجَعَ بِغُرْمِهِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِاحْتِمَالِ صدقه فيها.
والثاني: أنه لو تلف بَعْدَ نُكُولِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهَا وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَى شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى أَنْ لَا يُقْطَعَ مَعَهَا سَارِقٌ فتفضي إلى إسقاط حدود الله تعالى، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِثْبَاتُ حَدٍّ بِشُبْهَةٍ، وَالْحُدُودُ تُسْقَطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا تُثْبَتُ بها.
والثاني: اتفاقهم أنه لو ثبت عليه الزنا فادعى زوجته الْمَزْنِيِّ بِهَا سَقَطَ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِهَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى إِسْقَاطِ الحدود وكذلك الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، فَأَمَّا إِذَا نَكَلَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَنِ الْيَمِينِ فِي