قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ حَدٌّ إِلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى إِقْرَارِهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أو بعدلين يقولان إِنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ سَرَقَ مَتَاعًا لِهَذَا مِنْ حرزه بصفاته يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ وَيُحْضَرُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيَدَّعِي شَهَادَتَهُمَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو ثُبُوتُ السَّرِقَةَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ تكون عن دعوى المالك أو يغير دَعْوَاهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ دَعْوَى الْمَالِكِ فَثُبُوتُهَا على السارق، ويكون إِمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ بِإِقْرَارِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِنْ خَالَفَا فِي الزِّنَا فَلَمْ يَحُدَّاهُ إِلَّا بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الشَّهَادَةِ فِيهِ، وَوَافَقَا فِي السَّرِقَةِ أنها تلزمه بإقرار مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ الشَّهَادَةِ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا تَثْبُتُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهَا مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الشَّهَادَةِ فِيهِ كَالزِّنَا؛ لِأَنَّهَا حَدٌّ لِلَّهِ تعالى، واحتجاجاً بأن سارقاً أقر عند علي عليه السلام بالسرقة فانتهره، فأقر ثانية فقال الآن أَقْرَرْتَ مَرَّتَيْنِ، وَقَطَعَهُ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أتى من هذه القاذروات شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ) وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى التَّكْرَارِ كسائر الحقوق.
فأما انتهار علي المقر فَالظَّاهِرُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْهُ فَلَمْ يجز أن يعدل به عن ظاهره.
فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فِي الْغُرْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَفِي قَبُولِ رُجُوعِهِ فِي سُقُوطِ الْقَطَعِ قَوْلَانِ: