قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُقَرٌّ عَلَى ما خالفنا فِيهِ مِنْ دِينِهِ فَلَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُ الْإِمَامِ عليه، والمسلم مأخوذ بحقوق الدين نفذ حكم الإمام عليه.
وأما الضرب الثالث: فهو أن يكون مِنَ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وحقوق الآدميين فهو السرقة، ولا تخلو سرقته أن تكون من مسلم أو من ذمي أو من معاهد، فإن سرق من مسلم غرم وقطع كالمسلم، وإن سرق من ذمي أغرم، لأنه عن تغالب تمنع دار الإسلام منه، وفي قطعه قولان من نفوذ أحكامنا عليهم، وإن كان معاهداً، فإن كان لماله أمان أغرم للمعاهد وقطع في سرقته وإن لم يكن لماله أمان أغرم لبيت المال ولم يقطع فيه.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ الْمُعَاهَدُ فالمعاهدون وفي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُخَالِفُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ.
فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فِي الذَّبِّ عَنْهُمْ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ عَنْهُمْ مَنْ كَانَ فِي طَاعَتِهِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لأن الأمان يقتضيه فلا يلزمه أَنْ يَمْنَعَ عَنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَاعَتِهِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ مَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ أَمَانَهُمْ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ وَلَا يُوجِبُ نُصْرَتَهُمْ وأما إذا تعدى بعضهم على بعض لم يجب نُصْرَتُهُمْ وَلَمْ يُقَرُّوا عَلَى التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تُوجِبُ التَّنَاصُفَ وَتَمْنَعُ مِنَ التَّغَالُبِ وَالتَّظَالُمِ، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنْ تَنَاصَفْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إِلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ ثُمَّ صِرْتُمْ بَعْدَ بُلُوغِ مَأْمَنِكُمْ حَرْبًا.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي: وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاؤُهَا لَهُمْ؛ سَوَاءً كَانَتْ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، كَمَا لَا يَلْزَمُ نُصْرَتُهُمْ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ نُظِرَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى أَمَانِهِمْ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاؤُهَا لَهُمْ لِوُجُودِهَا فِي حَالٍ لَا يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ أَمَانِهِمْ فَهِيَ نَوْعَانِ حُقُوقُ أَبْدَانٍ، وَحُقُوقُ أَمْوَالٍ.
فَأَمَّا حُقُوقُ الْأَبْدَانِ كَالْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ فَيَلْزَمُ اسْتِيفَاؤُهَا لَهُمْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ حِرَاسَةِ أَبْدَانِهِمْ، وإن كَانَتْ عَلَى مُسْلِمٍ اسْتَحَقُّوا بِهَا الدِّيَةَ، وَإِنْ كانت على ذمي استحقوا بها القود.
فأما حُقُوقُ الْأَمْوَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَمْوَالِهِمْ أَمَانٌ لم يلزم استيفاؤها لهم، واسترجعت الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأُقِرَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِ إِنْ أَخَذَهَا قَهْرًا بَعْدَ أَخْذِ خُمُسِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَإِنْ أَخَذَهَا اخْتِلَاسًا انْتُزِعَتْ مِنْهُ لِبَيْتِ المال؛ لأنها فيء به، وَإِنْ كَانَ لِأَمْوَالِهِمْ أَمَانٌ وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهَا لَهُمْ كما وجب استيفاء حقوقهم من أَبْدَانِهِمْ لِاشْتِمَالِ أَمَانِهِمْ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَتُسْتَوْفَى مِنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَإِنْ سُرِقَتِ الْأَمْوَالُ مِنْهُمْ قُطِعَ سَارِقُهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ الْأَمَانِ لِمُسْلِمٍ ولا ذمي.