الحاوي الكبير (صفحة 6291)

بنقصان القيمة، سواء نقصت قيمتها بنقصان عَيْنِهَا أَوْ لِنُقْصَانِ سِعْرِهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ لِنُقْصَانِ عَيْنِهَا قُطِعَ وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانِ سِعْرِهَا لَمْ يُقْطَعْ؛ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ عِنْدَ إِخْرَاجِهَا مَنَعَ من حُدُوثِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَنَّهَا مِلْكٌ لِسَارِقِهَا، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَمَا لَمْ يَضْمَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ كَنُقْصَانِهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ، وَلِأَنَّ مَا طَرَأَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهِ يَجْرِي فِي سُقُوطِ الْحَدِّ مَجْرَى وجوده عند وجوبه كالقذف إذا زنا بعده الْمَقْذُوفُ سَقَطَ بِهِ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ كَمَا لَوْ زَنَا عِنْدَ قَذْفِهِ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أَنَّهُ نُقْصَانٌ حَدَثَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ الْقَطْعُ لنقصان العين.

فإن قيل: نقصان عينه مضمون فقطع فِيهِ وَنُقْصَانُ سِعْرِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَمْ يُقْطَعْ فِيهِ.

قِيلَ: نُقْصَانُ السِّعْرِ مَضْمُونٌ مَعَ التَّلَفِ فَأَشْبَهَ نُقْصَانَ عَيْنِهِ الْمَضْمُونَةِ بِالتَّلَفِ فَاسْتَوَيَا وَلِأَنَّ الْقَدْرَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ في إسقاطه قياساً على خراب الحرز؛ لأن قَدْرَ النِّصَابِ إِذَا اخْتَلَفَ فِي حَالِ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَحَالِ اسْتِيفَائِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ وُجُوبِهِ دُونَ اسْتِيفَائِهِ.

أَصْلُهُ: إِذَا كَانَ نَاقِصًا عِنْدَ الْإِخْرَاجِ وَزَائِدًا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْبِكْرِ إِذَا زَنَا فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى أُحْصِنَ، وَالْعَبْدِ إِذَا زَنَا فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى أُعْتِقَ، كَذَلِكَ السَّرِقَةُ. وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهُ حَدٌّ فَوَجَبَ أَنْ يعتبر فيه بِحَالِ وُجُوبِهِ دُونَ اسْتِيفَائِهِ كَالزِّنَا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ القطع عند إخراجها منع منه حدوثه بعد إخراجها فهو أنه منقض بِخَرَابِ الْحِرْزِ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ إِذَا كَانَ خَرَابًا عِنْدَ إِخْرَاجِهَا، وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ إِذَا حَدَثَ خَرَابُهُ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلسَّرِقَةِ هو أن يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ لَهَا عِنْدَ إِخْرَاجِهَا؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِذَا حَدَثَ نَقْصُهَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَقْصِهَا عِنْدَ إِخْرَاجِهَا فَلِذَلِكَ قُطِعَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَمَانِهِ مَعَ تَلَفِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ الْحِرْزِ كَالْمَوْجُودِ فِي الْحِرْزِ فَهُوَ انْتِقَاضُهُ بِخَرَابِ الْحِرْزِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي زِنَا الْمَقْذُوفِ بَعْدَ قَذْفِهِ أَنَّهُ دَلَّ حُدُوثُهُ عَلَى انْتِفَاءِ عِفَّتِهِ وَتَقَدُّمِ نَظَائِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015