قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا فِي النَّقْبِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ بِالْأَخْذِ، فَالْقَطْعُ وَاجِبٌ عَلَى من تفرد بِالْأَخْذِ دُونَ مَنْ شَارَكَ فِي النَّقْبِ وَلَمْ يأخذ، سواء دخلوا الحرز أو لم يدخلوه، تقاسموا بالسرقة أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا بِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: القطع واجب على جميعهم ليستوي فِيهِ مَنْ أَخَذَ وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ إِذَا كَانَتِ السَّرِقَةُ لَوْ فُضَّتْ عَلَيْهِمْ بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَلَوْ نَقُصَتْ حِصَّتُهُ عن النصاب لم يقطع واحد منهم، وكذلك القول فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَاشَرَ وَعَلَى مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ إِذَا كَانَ رَدًّا احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَاضِرَ معين على الأخذ بِحِرَاسَتِهِ، فَصَارَ بِالْمَعُونَةِ كَالْمُبَاشِرِ لِأَخْذِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَكَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ بَاشَرَ الْقِتَالَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ؛ لِأَنَّهُ بِالْحُضُورِ كَالْمُبَاشِرِ وَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْقَطْعِ مَنْ بَاشَرَ السَّرِقَةَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ؛ لِأَنَّهُ بِالْحُضُورِ كَالْمُبَاشِرِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجَازَى غَيْرُ الْآخِذِ بِمَا يُجَازَى بِهِ الْآخِذُ، وَلِأَنَّ الْمُعِينَ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ لَا يَسْتَوْجِبُ عُقُوبَةَ فَاعِلِ الْمَعْصِيَةِ، كَالْمُعِينِ عَلَى الْقَتْلِ لَا يَسْتَوْجِبُ قِصَاصَ الْقَاتِلِ، وَالْمُعِينُ عَلَى الزِّنَا لَا يَسْتَوْجِبُ حَدَّ الزَّانِي، كَذَلِكَ الْمُعِينُ عَلَى السَّرِقَةِ لَا يَسْتَوْجِبُ قَطْعَ السَّارِقِ، وَهُوَ انْفِصَالٌ عَنِ احْتِجَاجِهِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ قَطْعَ السَّرِقَةِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ السَّرِقَةِ، فَلَمَّا كَانَ لَوْ شَارَكَ فِي إِخْرَاجِهَا وَلَمْ يُشَارِكْ فِي هَتْكِ حِرْزِهَا لَمْ يُقْطَعْ، فَأَوْلَى إِذَا شَارَكَ فِي هَتْكِ حِرْزِهَا وَلَمْ يُشَارِكْ فِي إِخْرَاجِهَا أَنْ لَا يُقْطَعَ؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا أَخَصُّ بِالْقَطْعِ مِنْ هَتْكِ حِرْزِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ عَوْنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ دَخَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهَا فِي الْحَالَيْنِ.
وَأَمَّا مَالُ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا كَانَ فيها خمس يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى مَنْ شَهِدَهَا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ أَخْذَهَا، وَخَالَفَ قَطْعُ السَّرِقَةِ فِي سُقُوطِهِ عَمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ فَسَقَطَ عَمَّنْ شَهِدَ إِذَا لَمْ يُبَاشِرْ.
قال الشافعي: " وإن سرق سارق ثَوْبًا فَشَقَّهُ أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي حِرْزِهَا ثُمَّ أَخْرَجَ مَا سَرَقَ فَإِنْ بَلَغَ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الثَّوْبُ إِذَا شَقَّهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ شِقِّهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ إِخْرَاجِهِ فَإِنْ بَلَغَتْ رُبُعَ دِينَارٍ قطع وإن كانت أقل من ربع دينار وتبلغ مَعَ أَرْشِ الشَّقِّ رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الشَّقِّ مُسْتَهْلَكٌ فِي الْحِرْزِ فَصَارَ كَالدَّاخِلِ إِلَى الْحِرْزِ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا فِيهِ ضَمَّنَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِهِ.