العفة لعدم شرط الإحصان وكذلك قَذْفُ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِّهِ بِالزِّنَا فَلِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا عَلَيْهِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَهُ وَنَقْصُهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحَقِّ الَّذِي لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، كَالْقِصَاصِ لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْحُرِّ، وَيَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ الحر.
وهكذا لو كان المقذوف مدبراً أو مكاتباً أَوْ مَنْ رُقَّ بَعْضُهُ وَإِنْ قَلَّ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ، سَوَاءٌ سَاوَاهُ فِي الرِّقِّ أو فضل عليه بالحرية، لكن يُعَزَّرُ لِلْأَذَى وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ كَافِرًا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ شَرْطَ الْإِحْصَانِ فيه، ولأنه لما لم يأخذ نَفْسُ الْمُسْلِمِ بِنَفْسِ الْكَافِرِ لَمْ يُؤْخَذْ عِرْضُهُ بِعِرْضِهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَ عَفِيفٍ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَسَنَذْكُرُ مَا تَسْقُطُ بِهِ الْعِفَّةُ مِنْ بَعْدُ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَاذِفِ فَثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَهَا الْقَاذِفُ حُدَّ حَدًّا كَامِلًا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ كَامِلًا، فَإِنْ أَخَلَّ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ؛ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُحَدَّ بِالزِّنَا فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُحَدَ لِلْقَذْفِ بِالزِّنَا، وَإِنْ كَانَ القاذف عبداً حر بِالْقَذْفِ أَرْبَعِينَ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ.
وَقَالَ دَاوُدُ: يُحَدُّ ثَمَانِينَ حَدًّا كَامِلًا كَالْحُرِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّنَا أَغْلَظُ مِنَ الْقَذْفِ بِهِ، وَهُوَ لَا يُسَاوِي الْحُرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُسَاوِيَهُ في حد القذف بالزنا.
روي عن عامر بن عبد الله بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الْخُلَفَاءِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ فِي الْقَذْفِ إِلَّا أَرْبَعِينَ فَكَانَ إِجْمَاعًا. فَأَمَّا الْآيَةُ فَوَارِدَةٌ فِي الْأَحْرَارِ، لِأَنَّهُ مَنَعَ فِيهَا مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ لِقَذْفِهِمْ، وَالْعَبْدُ لا تسمع شهادته قاذفاً أَوْ غَيْرَ قَاذِفٍ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا حُدَّ حَدًّا كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ عَنِ الْمُسْلِمِ فِي الْحَقِّ الَّذِي لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ في الحق الذي عليه والله أعلم.
قال الشافعي: " فإن قَذَفَ نَفَرًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدُّهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَذْفُ الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفْرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَذْفِ فَيَقْذِفُهُ بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ فَلَا تَتَدَاخَلُ حُدُودُهُمْ، وَيُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدًّا مُفْرَدًا.