وَالثَّانِيَةُ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ تعالى: {فإذا أحصن} [النساء: 25 ٍ] أَيْ تَزَوَّجْنَ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَأَمْسَكَ عَنْ ذِكْرِهِنَّ إِذَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكْمُلَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، واحتمل أن لا يجب عليها حد فلذلك ما اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ.
وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ الحد على العبد والأمة فيمن تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فإذا أحصن} فِيهِ قِرَاءَتَانِ.
إِحْدَاهُمَا: بِالضَّمِّ، وَمَعْنَاهُ تَزَوَّجْنَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِيَةُ: بِالْفَتْحِ وَمَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ قَالَهُ ابن مسعود.
{فإن أتين بفاحشة} يَعْنِي الزِّنَا {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يَعْنِي: نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ، فَذَكَرَ إِحْصَانَهُنَّ فِي تنصيف الحد لينبه بأن تَنْصِيفَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْصَانِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ثُبُوتِ الرِّقِّ إِحْصَانٌ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ فَقَالَ: " إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثَمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثَمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ) .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَدْرِي أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ وَالضَّفِيرُ: الْحَبْلُ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ وَلَائِدَ أَبْكَارًا مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ فِي الزِّنَا، وَلِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ؛ لأن الحر مفضل فيه على العبد والثيب مفضل فيه على البكر وقال تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] لفضلهن على من سواهن، فلم يجز من نَقْصِ الْعَبْدِ أَنْ يُسَاوِيَ الْحُرَّ فِي حَدِّهِ، وَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ حَدِّهِ؛ لِئَلَّا تُضَاعَ حُدُودُ الله تعالى فَوَجَبَ تَنْصِيفُهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَيُقَالُ لِدَاوُدَ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْأَمَةِ نِصْفُ الْجَلْدِ وَلَمْ يَكُنْ لِتَنْصِيفِهِ سَبَبٌ سِوَى الرِّقِّ وَجَبَ أَنْ يُتْنَصَفَ فِي الْعَبْدِ لِأَجْلِ الرِّقِّ وَهَذَا مِنْ فحوى الخطاب.
فإذا ثبت أن حدها على النصف فهو خمسون جلدة، واختلف قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ التَّغْرِيبِ فِيهِ عَلَى قولين: