قال الشافعي: " وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَا حَدَّ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعُذْرَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ الزِّنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَعَوْدِ الْبَكَارَةِ بَعْدَ الزِّنَا، فَلَمَّا احْتُمِلَ الْأَمْرَيْنِ سقط الحد عنها؛ لأن الحد يدرأ بالشبهة، وَلَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْعُذْرَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَعَوْدِهَا بَعْدَ الزِّنَا فَيَكُونُوا صَادِقِينَ، وَيُحْتَمَلُ أن يكون لعدم الزنا فيكونوا كاذبين فلا حد عليهم وَهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ، فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُجَرَّحُوا بالشك وجنب المؤمن حمى فلم يجب أن يحد بِالشُّبْهَةِ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَنَّهَا رَتْقَاءُ، أَوْ قَرْنَاءُ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ القرن والرتق يَمْنَعُ مِنْ إِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لَمْ تُحَدَّ كَالْعُذْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ إيلاجها في الفرج حدث بِخِلَافِ الْعُذْرَةِ، ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ سقط الحد مُسْقِطَةً لِعِفَّتِهَا، فَإِنْ قَذَفَهَا قَاذِفٌ لَمْ يُحَدَّ لِكَمَالِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ.
وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنا بامرأة فشهد اثنان منهم أنه زنا بِهَا فِي الزَّاوِيَةِ الْيُمْنَى مِنْ هَذَا الْبَيْتِ، وشهد الآخران، أنه زنا بِهَا فِي الزَّاوِيَةِ الْيُسْرَى مِنْهُ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَحَدُهُمَا اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَكَذَلِكَ لَوِ اخْتَلَفَ الشهود الأربعة في الزوايا الأربع حدهم استحساناً، وسميت هذه المسألة الزَّوَايَا احْتِجَاجًا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْفَسَادِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَزْحَفَ الزَّانِيَانِ مِنْ زاوية إلى أُخْرَى فَيَكُونَا فِي أَوَّلِ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ فَيَرَاهُمَا شَاهِدَانِ، وَفِي آخِرِ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى فَيَرَاهُمَا فِيهَا شَاهِدَانِ، وَيَكُونُ الزِّنَا وَاحِدًا.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الزِّنَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أنه زنا بها وقت الظهر، ويشهد الآخران أنه زنا بها وَقْتِ الْعَصْرِ، وَإِنِ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْفِعْلِ فِي الظُّهْرِ وَآخِرُهُ فِي الْعَصْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَكَانِ بِمَثَابَتِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ حُكِمَ اخْتِلَافُهُ عَلَى أَوَّلِ الْفِعْلِ وَآخِرِهِ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ غَيْرُ الْفِعْلِ فِي الْمَكَانِ الْآخَرِ وَفِيهِ انْفِصَالٌ.
(مسألة)
قال الشافعي: " وإن أكرهها على الزنا فعليه الحد دونها ومهر مِثْلِهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا اسْتَكْرَهَ امرأة على نفسها حتى زنا بِهَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ دُونَهَا، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الجبار بن