فَإِنِ ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهُ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كان قوله مقبولاً، ولا يلزمه إحلافه إلا اسْتِظْهَارًا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ.
فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِي الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ شُرُوطُ الزِّنَا السِّتَّةُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ وَطِئَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ زِنًا، ولا يجب به الحد، حتى قال: إنه لَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ وَالصِّيَامُ. وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ إِلَّا أن ينزل منه فَيَغْتَسِلُ بِالْإِنْزَالِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَا يُفْضِي إِلَى فَسَادِ النَّسَبِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ إِيلَاجٌ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ كَالْقُبُلِ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَغْلَظُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُبُلِ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ أَحَقَّ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى فَسَادِ النَّسَبِ فَالْعِلَّةُ فِيهِ هَتْكُ الْحُرْمَةِ. [وَفَسَادُ النَّسَبِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ، وَهَذَا أَعْظَمُ فِي هَتْكِ الْحُرْمَةِ] .
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرْجَيْنِ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ أَنَزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، فَإِنْ غَيَّبَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ، أَوِ اسْتَمْتَعَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ عُزِّرَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَتَعْزِيرُهُ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ أَغْلَظُ مِنْ تَعْزِيرِهِ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وتعزيره بِالِاسْتِمْتَاعِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ أَغْلَظُ مِنْ تَعْزِيرِهِ بالمضاجعة والقبلة وإفضاء الْبَشَرَةَ بِالْبَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَدٌّ.
وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا اضْطَجَعَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمُعَانَقَةِ يُقَبِّلُهَا وَتُقَبِّلُهُ حُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَحِدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ جَلْدَةٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنِّي نِلْتُ مِنَ امْرَأَةٍ مَا يَنَالُهُ الرَّجُلُ مِنْ زَوْجَتِهِ إِلَّا بِوَطْءٍ قَبَّلْتُهَا وَعَانَقْتُهَا فَمَا يَجِبُ عَلَيَّ، فَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {أقم الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحسنات