عَلَى الْكَشْفِ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ بِالْكُفْرِ، وَعَلَى نَفْسِهِ بِسُقُوطِ الْإِرْثِ، فَنَفَذَ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى غَيْرِهِ.
فَإِذَا صَلَّى الْمُرْتَدُّ قَبْلَ ظُهُورِ تَوْبَتِهِ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: - فِي كِتَابِ الْأُمِّ - إِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ فِعْلِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ التَّقِيَّةُ، وَفِي دَارِ الْحَرْبِ الِاعْتِقَادُ.
وَالثَّانِي: إنَّهُ يُقَدَّرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ، وَلَا يُقَدَّرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ فَصَارَ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ - وَفِي هَذَا نَظَرٌ -.
لِأَنَّهُ لَوْ صَارَتِ الصَّلَاةُ إِسْلَامًا لِلْمُرْتَدِّ، لَصَارَتْ إِسْلَامًا للحربي.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا جَرَحَ أَوْ أَفْسَدَ فِي رِدَّتِهِ أُخِذَ بِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْلُو مَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ.
فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ لَا يَمْتَنِعُ بِهِمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْتِزَامَ أَحْكَامِهِ، وَهُوَ يَضْمَنُهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهَا بِالرِّدَّةِ، لِأَنَّهَا زَادَتْهُ تَغْلِيظًا لَا تَخْفِيفًا.
وَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِالْقِتَالِ: فَمَا أَتْلَفُوهُ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ ضَمِنُوهُ، وَمَا أَتْلَفُوهُ فِي الْقِتَالِ فَفِي ضَمَانِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَهُ قَوْلَانِ:
فَأَمَّا أَهْلُ الرِّدَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمْ:
فَذَهَبَ أَبُو حَامِدٍ الِإِسْفِرَايِينِيُّ وَأَكْثَرُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَنَّ في وجوب ضمانهم قولان كَأَهْلِ الْبَغْيِ:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُونَ كَمَا يَضْمَنُ الْمُحَارِبُونَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ.
وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُونَ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْمُشْرِكُونَ.
وَذَهَبَ أَبُو حَامِدٍ الْمَروروذِيُّ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ إِلَى أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي ضَمَانِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَوْلَانِ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: بِأَنَّ لِأَهْلِ الْبَغْيِ إِمَامًا تُنَفَّذُ أَحْكَامُهُ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ إِمَامٌ يُنَفَّذُ لَهُ حكم.