الحاوي الكبير (صفحة 6169)

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ. فَذَكَرَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ.

فَأَمَّا الشَّهَادَتَانِ: فَوَاجِبَتَانِ لَا يصح إسلامه إلا بهما.

وأما التبري مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ شَرْطٌ فِي إِسْلَامِ كُلِّ كَافِرٍ وَمُرْتَدٍّ كَالشَّهَادَتَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ فِي إِسْلَامِ كُلِّ كَافِرٍ وَمُرْتَدٍّ كَالِاعْتِرَافِ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: - وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ - إنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَمُنْكِرِي النبوات كالأميين من العرب كان التبري مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ مُسْتَحَبًّا.

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ كِتَابٍ يَعْتَرِفُونَ بِالنُّبُوَّاتِ،. وَأَنَّ محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نبي مبعوث إلى قومه كان التبري مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَاجِبًا لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ إِلَّا بِذِكْرِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شُرُوطِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ، نُظِرَ فِي رِدَّتِهِ،

فَإِنْ كَانَتْ بِجُحُودِ الْإِسْلَامِ، صَحَّتْ تَوْبَتُهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ شُرُوطِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِجُحُودِ عِبَادَةٍ مِنْ عِبَادَاتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصِحَّةِ الْإِسْلَامِ، اعْتُبِرَ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ بَعْدَ شُرُوطِ الْإِسْلَامِ الِاعْتِرَافُ بِمَا جَحَدَهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُرْتَدًّا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَمْ تَزُلْ عَنْهُ الرِّدَّةُ بِهِمَا حَتَّى يَعْتَرِفَ بِمَا صَارَ مُرْتَدًّا بِجُحُودِهِ، وَلَا يَجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِمَا جَحَدَهُ عَنْ إِعَادَةِ الشَّهَادَتَيْنِ.

لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ بِالرِّدَّةِ، فَلَزِمَهُ إِعَادَةُ الشَّهَادَتَيْنِ، لِيَزُولَ بِهِمَا حُكْمُ الْكُفْرِ، وَلَزِمَهُ الِاعْتِرَافُ بِمَا جَحَدَهُ لِيَزُولَ بِهِ حُكْمُ الرِّدَّةِ.

وَهَكَذَا لَوْ صَارَ مُرْتَدًّا بِاسْتِحْلَالِ الزِّنَا وَاسْتِبَاحَةِ الْخَمْرِ، كَانَ مِنْ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ الِاعْتِرَافُ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا وَحَظْرُ الْخَمْرِ

وَلَكِنْ لَوْ صَارَ مُرْتَدًّا بِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ الِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّتِهِ فِي الشَّهَادَتَيْنِ مُقْنِعًا فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِحَظْرِ سَبِّهِ، لِأَنَّ فِي الِاعْتِرَافِ بِنُبُوَّتِهِ اعْتِرَافًا بِحَظْرِ سبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015