اخْتِلَافِهِمْ هَلْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصَّاحِي فِيمَا لَهُ كَمَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصَّاحِي فِيمَا عَلَيْهِ؟
أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - إنَّ تَأْخِيرَهَا اسْتِحْبَابٌ، فَإِنِ اسْتَتَابَهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ أُقِيدَ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى صَحْوِهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَرَضَهُ فِي الرِّدَّةِ شُبْهَةٌ يَسْتَوْضِحُهَا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، فَإِنِ اسْتَتَابَهُ فِي سُكْرِهِ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ، وَكَانَ عَلَى أَحْكَامِ الرِّدَّةِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْ قَاتِلِهِ وَانْتِقَالِ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا دُونَ وَرَثَتِهِ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَأْخِيرَ تَوْبَتِهِ دَلِيلًا عَلَى إِبْطَالِ طَلَاقِهِ، وَغَفَلَ أَنْ يَجْعَلَ ثُبُوتَ رِدَّتِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِهِ.
وَإِذَا ارْتَدَّ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُسْتَتَبْ فِي جُنُونِهِ، لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إِسْلَامٌ وَلَا رِدَّةٌ، وَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ.
وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ: قُتِلَ قَبْلَ إِفَاقَتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ مَنَعَ الْجُنُونُ مِنْ قَتْلِ الرِّدَّةِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ قَتْلِ الْقَوَدِ: أَنَّ لَهُ إِسْقَاطَ قتل الردة عن نفس بِتَوْبَتِهِ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ فَأُخِّرَ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ إِسْقَاطُ قَتْلِ الْقَوَدِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَالٍ فَلَمْ يؤخر إلى إفاقته.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَهُ قِيلَ إِنْ أَقْرَرْتَ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دين خالف دين الإسلام يُكْشَفْ عَنْ غَيْرِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالرِّدَّةِ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمَا عليه مطلقة، حَتَّى يَصِفَا مَا سَمِعَاهُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُرْتَدًّا، وَسَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ، كَمَا لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمَا بِالْجَرْحِ حَتَّى يَصِفَا مَا يَكُونُ بِهِ مَجْرُوحًا.
فَإِذَا ثَبَتَت الشَّهَادَةُ سَأَلْنَاهُ عَنْهَا وَلَمْ يَعْرِضْ لِقَتْلِهِ قَبْلَ سُؤَالِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَابَ مِنْهَا أَوْ سَيَتُوبُ.
فَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ سُؤَالِهِ عُزِّرَ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ، لِثُبُوتِ رِدَّتِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ وَلِيُّهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَابَ مِنْ رِدَّتِهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَيُسْأَلُ الْقَاتِلُ، فَإِنْ عَلِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ.