الحاوي الكبير (صفحة 6159)

وَبَنَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ كَالْحَرْبِيَّةِ فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حَظْرِ الْقَتْلِ عِنْدَهُ وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ.

ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ: أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ مَنَعَ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الرَّجُلِ مَنَعَ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْمَرْأَةِ كَالْإِسْلَامِ طَرْدًا وَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ عَكْسًا.

فَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنَ اسْتِرْقَاقِ عَلِيٍّ أُمَّ وَلَدِهِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - إنَّهُ كَانَ مَذْهَبًا لَهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَصَارَ خِلَافًا لَا يَقَعُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ - أنها كانت أمة سوداء سندية لِبَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ صَالَحَهُمْ عَلَى إِمَائِهِمْ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ - إنَّهَا كانت حرة تزوجها علي - عليه السلام - بِرِضَاهَا، فَأَوْلَدَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُوَ الأشبه بأفعاله - رضوان الله عليه وسلامه -.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا ذُرِّيَّةُ الْمُرْتَدِّ: وَهُمْ صِغَارُ أَوْلَادِهِ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، فَهُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ الْجَارِي عَلَيْهِمْ بِإِسْلَامِ آبَائِهِمْ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُمْ بِرِدَّةِ آبَائِهِمْ، لِأَنَّ رِدَّةَ آبَائِهِمْ جِنَايَةٌ مِنْهُمْ فَاخْتَصُّوا بِهَا دُونَهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمَعْصِيَةِ غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا تَعَدَّى إِلَيْهِمْ إِسْلَامُ آبَائِهِمْ فَصَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِمْ فَهَلَّا تَعَدَّى إِلَيْهِمْ رِدَّةُ آبَائِهِمْ فَصَارُوا مُرْتَدِّينَ بِرِدَّتِهِمْ؟

قِيلَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِسْلَامُ مِنْ حُكْمِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْفَعَ الْكُفْرُ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا وَلَمْ يَكُنْ كَافِرًا، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفْرِ.

فَإِذَا ثَبَتَ إِسْلَامُ أَوْلَادِهِمْ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَتَجِبُ نَفَقَاتُهُمْ فِي أَمْوَالِ آبَائِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ.

فَإِنْ مَاتُوا: غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَدُفِنُوا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُتْ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجْرِي عَلَى الْمَرْأَةِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَحْكَامُ الْمَوْتِ، فَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ مُدَبِّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَتَحِلُّ عَلَيْهِ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ رَجَعَ بِمَا بَقِيَ فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ الْبَاقِيَةِ وَلَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015