وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، يُقَاتِلُ أَهْلَ الْعَدْلِ وَيَنْكِي فِيهِمْ فَهَذَا مُبَاحٌ لَا حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَتْلُ دَفْعٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ قَدْ كَفَّ عَنِ الْقِتَالِ، وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ صَفِّهِمْ، فَفِي عَمْدِ قَتْلِهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَحْظُورٌ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِقِتَالِهِمُ الْكَفُّ، وَهَذَا كَاف فَصَارَ كَالْأَسِيرِ الَّذِي يَحْرُمُ اعْتِمَادُ قَتْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ رَدْءٌ لَهُمْ وَعَوْنٌ، فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ مُقَاتَلَتِهِمْ فَقَدْ شَهِدَ حَرْبَ الْجَمَلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَكَانَ نَاسِكًا عَابِدًا وَرِعًا يُدْعَى السَّجَّادَ.
فَرَآهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاقِفًا فَنَهَى عَنْ قَتْلِهِ وَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَصَاحِبَ الْبُرْنُسِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
(وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الْأَذَى فِيمَا تَرَى الْعَيْنُ مُسْلِمِ)
(هَتَكْتُ لَهُ بِالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ)
(يُنَاشِدُنِي حم وَالرُّمْحُ مُشْرَعٌ ... فَهَلَّا تَلَا حم قَبْلَ التَّقَدُّمِ)
(عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعًا ... عَلِيًّا وَمَنْ لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يَظْلِمِ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَا أَخَذَهُ عَلِيٌّ بِدَمِهِ، وَلَا زجره على قتله.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَيُّهُمَا قَتَلَ أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ لا يتوارثان لأنهما قاتلان (قال الشافعي) رحمه الله:
وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ فَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مِيرَاثِ الْقَاتِلِ قَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ.
فَإِذَا اقْتَتَلَ الْوَرَثَةُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَوَارُثِهِمْ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - إنَّهُ يُوَرثُ الْعَادِلُ مِنَ الْبَاغِي، وَلَا يُوَرَّثُ الْبَاغِي مِنَ الْعَادِلِ، لِأَنَّ قَتْلَ الْعَادِلِ ظُلْمٌ، وَقَتْلَ الْبَاغِي حق.