أَحَدُهُمَا: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فِي الْمُقَيَّدِ كَرَدِّهَا فِي الْمُطْلَقِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْعِلَّةَ فِي رَدِّهَا الْفِسْقُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُرَدُّ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْعِلَّةَ فِي رَدِّهَا التُّهْمَةُ، لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ لِتَصْدِيقِ مُوَافِقِهِ، وَلَا يُتَّهَمُ فِي الْمُقَيَّدِ بِالْإِقْرَارِ أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ عِنْدِي وَلَمْ يُقِرَّ لِأَنَّهُ كَذِبٌ يُوجِبُ عِنْدَهُمُ الْكُفْرَ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ قُتِلَ بَاغٍ فِي الْمُعْتَرَكِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالشَّهِيدِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ كَالْمَوْتَى إِلَّا مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي مَعْرَكَةِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ: فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ اسْتِهَانَةً بِهِ وَعُقُوبَةً لَهُ، لِمُخَالَفَتِهِ فِي الدِّينِ كَأَهْلِ الْحَرْبِ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فُرِضَ عَلَى أُمَّتِي غَسْلُ مَوْتَاهَا وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا) .
وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَقْتُولٌ بِحَقٍّ، فَلَمْ يَمْنَعْ قَتْلُهُ من غسله والصلاة عليه كالزاني والمتقص مِنْهُ، بَلْ هَذَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الزَّانِيَ فَاسْقٌ، وَهَذَا مُتَرَدِّدُ الْحَالِ بَيْنَ فِسْقٍ وَعَدَالَةٍ.
فَأَمَّا اسْتِهَانَتُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَهَانَ بِمَخْلُوقٍ فِي إِضَاعَةِ حُقُوقِ الْخَالِقِ.
وَأَمَّا جَعْلُ ذَلِكَ عُقُوبَةً، فَالْعُقُوبَةُ إِنَّمَا تَتَوَجَّهُ إِلَى مَنْ يَأْلَمُ بِهَا، وَلِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُعَاقَبُ بِهَا الْحَيُّ مِنْهُمْ.
قِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ قُرْبَةً لَهُمْ.
فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ فِي مَعْرَكَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَفِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ فِي الْمَعْرَكَةِ عَلَى حَقٍّ كَالْقَتِيلِ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ.