أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ، كَمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بِبَقَاءِ الْجُرْحِ سَائِلَ الدَّمِ غَيْرَ مُنْدَمِلٍ ثُمَّ يُقْسِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَتِ الْقَسَامَةُ غَيْرَهَا فِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعِي فِي الْقَتْلِ خَالَفَتْهُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ بِهِ فِي سِرَايَةِ الْجِرَاحِ فَيُقْسِمُ عَلَى ذَلِكَ وَيَزِيدُ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كَذَلِكَ مَا قَتَلَ فُلَانًا وَلَا أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا نَالَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ وَلَا وَصَلَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي فَيُصِيبُ شَيْئًا فَيَطِيرُ الَّذِي أَصَابَهُ فَيَقْتُلُهُ وَلَا أَحْدَثَ شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ فُلَانٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْفِرُ الْبِئْرَ وَيَضَعُ الْحَجَرَ فَيَمُوتُ مِنْهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ وَغَيْرِ الْقَسَامَةِ فَذَكَرَ فِي يَمِينِهِ سِتَّةَ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: مَا قتل فلان لِأَنَّهُ أَصْلُ الدَّعْوَى وَيَشْتَمِلُ قَوْلُهُ مَا قَتَلَ عَلَى التَّوْجِيهِ بِالذَّبْحِ وَعَلَى سِرَايَةِ الْجُرْحِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ جَمْعَ كَانَ أَحْوَطَ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ وَلَا أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الشَّرِكَةَ فِي الْقَتْلِ وَالْإِكْرَاهَ عَلَيْهِ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُمْسِكَ فِي الْقَتْلِ، هُوَ قَاتِلٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَهُ فِي يَمِينِهِ احْتِيَاطًا فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هريرة مستحب وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَاجِبًا.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ وَلَا نَالَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ لِهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ - إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ سِرَايَةُ الْجُرْحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُصُولُ السَّهْمِ عَنِ الْقَوْسِ. وَهُوَ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ شَرْطٌ وَاجِبٌ وَتَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شُرُوطًا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ وَلَا نَالَهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ - اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ - إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَقْيُ السُّمِّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ شَرْطًا رَابِعًا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.